خليل صويلحهكذا، من دون تخطيط مسبق، وجدت الدراما السورية نفسها أخيراً، تتوغل في أزقّة العشوائيات. هذه الأحياء السكنية التي نبتت كالفطر في أطراف دمشق: بيوت متداخلة، وأزقة متشعبة، وضجيج دائم، وعلاقات إنسانية على حافة الهاوية.
وإذا بالعدسة التلفزيونية تغرق في «وحل الواقع»، لتشتبك بضراوة مع مرايا شخصيات، لطالما ظلت خارج اهتمامات كتّاب السيناريو، أو أنها في أحسن الأحوال، كانت تؤدي دور الكومبارس الأبدي.
شخصيات «حزام الفقر» تقوم بدور البطولة المطلقة، وتتخلى عن صمتها لتقول كلمتها، وتعبّر عن رغباتها المقموعة في العيش. كان مسلسل «أيامنا الحلوة» للمخرج هشام شربتجي، قبل سنتين، مفاجأة حقيقية، سواء على صعيد بناء العلاقات الدرامية، أم لجهة الادهاش البصري. شارك في بطولة العمل عبد الهادي صباغ وعبد المنعم عمايري وكاريس، وحقق نسبة مشاهدة مرتفعة.
لكن أعمالاً لاحقة، حاولت مقاربة عالم الهامش العجائبي. فسقطت في فخ التقليد وانطوت على شحنة درامية «سالبة»، ومغلقة على أوهام الكتّاب أنفسهم، وهم يخترعون علاقات «تلفزيونية»، ليست من صميم الواقع. أما أبطالها فهم عمال مياومون وسائقو شاحنات، وعاملات خياطة، وقصص حب مقموعة وفاشلة سلفاً.
هكذا جاء مسلسل «بكرة أحلى» للمخرج محمد الشيخ نجيب، وبطولة سلاف فواخرجي وعبد المنعم عمايري، بمشية عرجاء. انساق العمل وراء الكوميديا السطحية على حساب الكشف العميق لمصائر الشخصيات ورغباتها. فانطلقت الكاميرا، في هذا العمل وسواه، إلى تصوير العالم الخارجي لهذه الأحياء بقصد تعزيز مشاهد القبح البصري لكتل الإسمنت المتجاورة بفوضى، تحملها رغبات مخرجين بالتجديد والمغامرة، فيما يلهث النص للحاق بالمقترح البصري.
هناك إذاً حلقة ضائعة في هذه النصوص، تشبه إلى حد بعيد، ومن موقع مضاد «جماليات الثراء» في أعمال أخرى. تتسم على الدوام بالنمطية، ولا تخرج من أسوار الفيلات والقصور، وتهدف إلى الإدهاش لا أكثر. بإمكاننا القول، إن هناك استثناءات كمسلسل «الإنتظار» للمخرج الليث حجو، عن نص لنجيب نصيرة حسن سامي يوسف، فهو علامة فارقة في سلّة الدراما السورية لهذا الموسم الرمضاني. يعرض العمل على القناة السورية الثانية عند الساعة الثانية فجراً، ويشارك في بطولته بسام كوسا ويارا صبري. يعكس «الانتظار» صورة صادقة عن الواقع ومعاناة الناس في الأحياء العشوائية، وما يحكم سلوك الشخصيات وتصرفاتها. كل ذلك في حبكة جيدة متقنة وتشكيلة بصرية موفقة.