دمشق ــ خليل صويلح
الممثل والمخرج السوري عبد المنعم عمايري حاضر
بقوّة على شاشة رمضان، من خلال خمسة مسلسلات يؤدي فيها أدواراً متباينة. لماذا هو غاضب على الدراما؟ وما سر هجومه العنيف على بعض المخرجين؟


تختلف إطلالة عبد المنعم عمايري التلفزيونية عن سواه. إذ تمكّن الممثل والمخرج السوري، خلال سنوات قليلة، أن يحقق حضوراً لافتاً على الشاشة الصغيرة. هو لم يعتمد على أدوار البطولة التي رفضها أكثر من مرة، إنما على شخصيات استثنائية، تبدو للوهلة الأولى هامشية وعابرة في السياق الدرامي، وإذا بها تؤكد بصمتها فجأة، بحركة أو التفاتة منها، فتتوضح معالمها وقوة تأثيرها في المشاهد.
هذا الموسم، يؤدي عمايري خمس شخصيات متباينة في سلوكياتها ومصائرها، من “المحروس” لنجدت أنزور، مروراً بـ“كسر الخواطر” لنذير عواد، إلى “مشاريع صغيرة” مع المثنى صبح (في أولى تجاربه الإخراجية)، ولوحات في “مرايا” ياسر العظمة، و“على طول الأيام” مع حاتم علي.
وهو يؤكد باستمرار أن البطولة المطلقة لا تعنيه: “الدور الأول في العادة، غالباً ما يكون مثقلاً بحمولات درامية، فائضة عن حاجة الشخصية. وهذا ما يجعلها ثقيلة على الممثل والمشاهد معاً”. ويتساءل متهكماً: “ماذا يعني أن تكون موجوداً، “من الجلدة إلى الجلدة”، في دراما تفتقد في معظمها إلى كاتب سيناريو محترف؟ في هذه الحال، عليك ان تنقذ نفسك بدور صغير وحيوي، كي تخرج بأقلّ قدر من الخسائر، طالما أن هذه الدراما قائمة على الاستنساخ والتشابه”.
تعلّم عبد المنعم عمايري هذا الدرس مبكراً، عندما ظهر للمرة الأولى على الشاشة في مسلسل “الثريا” (1995) مع المخرج هيثم حقي. في تلك الإطلالة، أدى عمايري دور شاب أخرس. وعلى رغم أن الدور صامت طبعاً، كان تأثيره واضحاً في سياق العمل. ويوضح: “هذا لا يعني أن الأدوار الصغيرة أفضل، لكنها تساعد الممثل على الإمساك بتفاصيلها وإغناء حضورها بمفردات تشبهها، وإعادة كتابتها بصرياً عبر اختبار عالمها الداخلي”. ويضرب مثلاً على ذلك، دوره في مسلسل “بكره أحلى”، عندما أدى شخصية “حميماتي”. ويقول: “تعرفت بـ“كشاش حمام”، وانتبهت إلى تصرفاته وحركة يديه، وصفرة أسنانه، وطريقته في نطق الجملة. هؤلاء يشربون الشاي بكثرة ويدخنون بغزارة، وكان لا بد من تركيب أسنان اصطناعية”. لكنه يستدرك: “نجاح الشخصية لا يتعلق بمظهرها الخارجي فحسب، بل على الممثل أن يستعين بمخزونه الحياتي، وخبراته الإنسانية. فدور العاشق مثلاً، لا يتطلب بالضرورة أن يذهب الممثل إلى مهندس أو طبيب أو محامي، فعامل الإسمنت يمتلك أيضاً مشاعر كي يعبّر عن لواعج قلبه؟”.
ويضيف متحمساً: “أنا مستعد للظهور في مشهد واحد، إذا كان مؤثراً. ولا تهمني الشخصية حتى لو كانت قبيحة، وتنتمي إلى القاع الاجتماعي، فربطة العنق وحدها لا تصنع ممثلاً. المهم أن تكون الشخصية زئبقية، ولا تشبه شخصية أخرى أديتها سابقاً. هناك من يؤدي دوراً أبدياً كما لو أنه أسطوانة مكررة في آلة تسجيل، وأنا أرفض أن أدخل هذا النفق المظلم”.
في مسلسل “المحروس”، يؤدي عمايري دوراً فانتازياً ثرياً بالاحالات التاريخية التي تلامس عصب اللحظة الراهنة. وجد في تجسيده شخصية “بهنوس” تجربة تستحق المغامرة، وخصوصاً أنها المواجهة الأولى له مع كاميرا نجدت أنزور. ويقول: “نجدت أنزور أنصفني، وهو مخرج قدير حقاً، ولديه مقترحات اخراجية، تشحن الممثل للاشتباك مع الشخصية والتحليق بها بعيداً”.
يعترف عمايري بأن العمل التلفزيوني، سيبقى فناً استهلاكياً بلا ذاكرة، “لكنه مهنتنا التي ينبغي أن نتعامل معها بنبل”، قبل أن يستدرك بالقول إن العمل التلفزيوني لن يرقى بأقصى جمالياته إلى عتبات المسرح الذي يعتبره ملعبه المفضل.
وكان عبد المنعم قد هجر دراسة الحقوق ليلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ويتفوق على دفعته. وقد قدّم عملين لافتين للخشبة، كتبهما وأخرجهما، الأول بعنوان “صدى”، والثاني “فوضى”، فيما حصد العمل الأخير جائزتي أفضل عرض وأفضل اخراج من مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي (2005). ويقول: “مهما كان العمل التلفزيوني مغرياً، لن أتخلّى عن المسرح على رغم صعوبة الشروط التي تواجه العمل المسرحي في سوريا”. ويؤكد انه في صدد تقديم عمل جديد انتهى من كتابة نصه أخيراً، بعنوان “تكتيك”، ومن المتوقع أن يباشر اخراجه في العام المقبل.