رنا حايك

بعد “عيون البقر” (2004)، يستعد زياد سحّاب لإصدار أسطوانته الثانية “رح نبقى نغني” قبل نهاية العام. يتضمن العمل 12 أغنية من تلحين هذا الفنان الشاب الذي يعد من رموز جيل جديد يشق طريقاً جديداً في مسار الموسيقى العربية المعاصرة. وقد كتب سحاب بعض أغنيات الأسطوانة، وانتقى بعضها الآخر من قصائد للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم وآخرين.
بدأ مشوار زياد مع التلحين باكراً، فتجربته استقت الأصالة من عائلة موسيقية تمرّد في بداياته على تقاليدها الكلاسيكي. بقي “ابناً ضالاً” لسنوات قبل أن يعود ليتصالح معها باحثاً عن المعادلة الصعبة بين الموروث وتجربته الخاصة.
أبصر زياد سحاب النور في منزل يحتل فيه العود موقع الصدارة، وترعرع وسط مكتبة ملأى بكتب عن تاريخ الموسيقى العربية لوالده فيكتور وعمه الياس، وتسجيلات نادرة لحفلات سيد درويش والشيخ سلامة حجازي. على الجدران، كانت صور عبد الوهاب تتجاور مع صور الفرقة القومية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو سليم سحاب، العم الثالث في هذه العائلة الموسيقية بامتياز. هكذا بدأت علاقة زياد بالموسيقى.
تلقى دروساً منزلية مبكرة في العزف، واحتل المركز الأول في مسابقة “نجوم المستقبل” (1994)، قبل أن يقف على خشبة دار الأوبرا المصرية، عازفاً في ذكرى عبد الحليم حافظ. وفي عام 1997، انطلق في الغناء والتلحين مع الشعر الأندلسي وبعض الأغاني من تأليفه. وتلاحقت حفلاته التي استقطبت الطلاب الجامعيين، فإذا بهم نواة جمهوره. ولم تلبث أن تبنّته جماعة «شمس»، فتتالت حفلاته في “مسرح بيروت”.
مراهقاً لم يكن يسكن زياد سوى هاجس واحد: التحرّر من وصاية «العائلة» ومن صورة «الطفل المعجزة». غادر المنزل في السابعة عشرة لتحقيق نفسه في الحياة وفي الفن. لم يكن سهلاً عليه أن يتقبّل الوراثة الفنية عند ذلك المنعطف من حياته، لكنّه سيعود متصالحاً معها بعدما حقق اسماً مستقلاً وأثبت وجوده بنفسه،
لكن الموسيقي الشاب لم يحتمل رحيل خاله الإعلامي سمير كامل (2001). فهجّ من جديد... هذه المرة يمّم شطر مصر، متسلحاً بوعد من الملحن كمال الطويل بأن بتولّى تدريبه هناك. وعلاقة زياد بمصر بدأت مذ حمله الشاعر صلاح جاهين على ركبتيه في بيت العائلة وهو في الرابعة. خلال الإقامة في مصر وبعد الانتساب الى الأوبرا عازفاً، توطدت علاقته بشعر فؤاد حداد والأبنودي ونجم وبيرم التونسي... وأصبح من الزوار المثابرين لمكتبة عم «مدبولي». وقسّم وقته بين الأوبرا وأكاديمية الفنون التي تسجّل فيها نهاراً وتفرّغ ليلاً لتلحين قصائد كبار شعراء العامية المصرية.
يعد ثمانية أشهر عاد “الابن الضال” مجدداً الى الكنف العائلي، وقد نضجت تجربته واكتملت أدواته. هاجسه الأوّل بات البحث عن أشكال وقوالب فنية جديدة... عن أفكار ولغة موسيقية لمحاكاة المرحلة. بالنسبة الى زياد، الكلمة لا تقلّ أهمية عن اللحن. ولا يهم إن كانت تتناول قضايا اجتماعية أو سياسية أو رومانسية: “أنا منحاز للعمل الجيد، والأغنية المضغوطة المكثفة هي التي تناسب العصر” على حد تعبير زياد الذي يعتبر أن “الفصحى لم تعد تعبّر عنا وهذا ليس لعيب فيها... لكن البساطة البريئة من أي استسهال هي الشكل المطلوب”.
ويرفض زياد سحّاب نظرية “جمهور النخبة” من أساسها: “سيد درويش وعبد الوهاب وفيلمون وهبة غنّوا لمختلف الشرائح الاجتماعية وغنّوا عنها”... لهذا السبب ربما تطالعنا أغنية شوشو «شحادين يا بلدنا» في معظم حفلاته. ويرفض الفنان الشاب تصنيفه في خانة “التسييس”، فانتماؤه اليساري لا يجعل منه فنان اليسار. إنّه فنان فقط. لكن هذه حكاية أخرى...