حنين عمرو
في مركز الهناجر للفنون (دار الأوبرا المصرية)، كان يجلس دوماً الى طاولة برفقة مجموعة من طلاب المسرح. كان الوحيد الذي يتحدث قليلاً ويراقب كثيراً. وإذا ما واظبت على مراقبته، لوجدت أنّ ما يميز خالد الصاوي هو قدرته على خلق المفاجأة باستمرار. فهذا الهادئ يملك قدرة غير عادية على لفت نظر كل من يوجد داخل المكان.
اسمه حاتم في “عمارة يعقوبيان” وهو ثمرة زواج بين والد مصري أستاذ في القانون الدولي يدعى حسن رشيد وامرأة كانت تعمل في بار. كان والده غائباً عن أسرته، مأخوذاً بمشاغله المهنية، وزوجته تكنّ له كرهاً واضحاً. لم يجد حاتم ملاذه سوى مع الخدم الذين منحوه الحنان الى أن انتهى به الأمر بإقامة علاقة جنسية مع أحدهم.
رأى بعضهم أنّ شخصية حاتم في رواية علاء الأسواني، تعبّر عن فشل مشروع التحديث على الطريقة الغربية، لأن كل ما أنتجته كان “فرداً منحرفاً جنسياً”. لكن خالد اختار أن يجازف بتقديمه الشخصية، وخصوصاً أنّه برع قبلاً في تقديم شخصية المثلي في مسرحية “طقوس الاشارات والتحولات” لسعد الله ونوس. أهّلته موهبته في التمثيل والإخراج والتأليف لابتكار تفاصيل كثيرة للشخصية بدءاً من المشية واللفتة وحركة الأصابع وكيفية فتح زجاجة النبيذ.
وبقدرة عازف العود الماهر (فهو عازف عود وشاعر أيضاً)، تمكّن من ضبط ايقاع هذه الشخصية شديدة التعقيد، ونجح في تجسيد حياة رجل يعيش عالمين مختلفين تماماً: فعالمه السري كناية عن رجل مسجون داخل مشاعر امرأة يقوم بـ“اصطياد” الشباب ويتردد على بارات “مشبوهة” في وسط البلد، فيما عالمه المعلن يظهره صحافياً مشهوراً يرأس تحرير مجلة فرنسية تصدر من القاهرة.
اعتبر النقاد أن ما ساعد الصاوي أكثر أنه خرج من عباءة تجربة مختلفة شكلاً هي فرقته المسرحية “الحركة” التي قدمت أعمالاً متميزة مثل “الميلاد” و“أنطونيو وكليوبترا” وفيلم روائي قصير “الحب مسرحية من ثلاثة فصول”. إلا أنّ تلك التجربة جعلته فناناً يتمتع بمنطق مختلف عن السائد ويتعامل مع كل الشخصيات حتى “المنحرفة” منها بإنسانية. وهو بهذا الدور دخل مساحة خاصة جداً كانت السينما المصرية بأكملها تخشى الحديث عنها.
خالد الصاوي ممثل يتمتع بخصوصية في الأداء ويذكرك في “عمارة يعقوبيان” بأداء توم هانكس المتميز لشخصية المثلي جنسياً في فيلم “فيلادليفا” مع اختلاف تفاصيل الشخصيتين. الصاوي بموهبته نقل الى الجمهور طريقة تفكير مثليي الجنس. ولذلك أجمع كل من شاهد “يعقوبيان” على تألقه في نقل هذه الشخصية الى الجمهور.
قد يكون الفارق الزمني والتطورات وانفتاح العالم هي ما جعلت الجمهور يتعاطى مع المثلي بشكل مختلف على عكس ما حدث مع يوسف شعبان عندما قدم شخصية المثلي في فيلم “حمام الملاطيلي”. في حالة الصاوي، تركّز الحديث على عبقرية الأداء، بعيداً من الأحكام المعيارية تجاه انحراف هذه الشخصية.