strong>لم تكن مهمة «تلفزيون الجديد» في تغطية العدوان الأخير على لبنان سهلة. تعرّضت المحطة للاعتداء منذ اليوم الأول، وبقيت مهدّدة لأنها تبنّت خطّ المقاومة حتى إنها وُصفت بـ «المنار» الثانية. كيف أشرفت مريم البسّام، مديرة الأخبار في «نيو تي في» على تغطية هذه الحرب؟
مهى زراقط

بقلم أحمر ناشف، وخط كبير مع تقسيم الجمل في شكل يسهل قراءته، سلّمت مريم البسّام أوراق المقدّمة الإخبارية المسائية قبل أن تتفرّغ لإجراء هذه المقابلة. يبدأ الحوار بالمآخذ الموجّهة عادة الى مقدّمي الأخبار في محطة “نيو تي في”، وإلى “الوعظة” التي تفتتح بها كل نشرة، وغالباً ما تترافق مع حركات وإشارات بالوجه من قبل المقدّم أو المقدّمة.
انتقادات تجيب عنها البسّام بابتسامة: “نشرة الأخبار هي صورة المحطة. لذا لا يجب أن تكون عابرة أو مجرد حصيلة إخبارية للنهار». وتمضي أبعد من ذلك في تفسيرها للأمر: «هناك أخبار تشعرني بأن شيئاً ينغل في دمي إذا لم أعلّق عليها». وتوضح: «عندما يأتي رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير إلى لبنان، هل يكفي أن أنقل خبر وصوله ومن كان في استقباله؟ هل ترضي هذه التغطية الناس الذين يستشيطون غيظاً من سياسته وتبعيته لأميركا؟ ماذا جاء يفعل في لبنان؟ هذه أسئلة يجب طرحها... وهي لا تتناقض مع قواعد المهنة، بل إنني أضعها على رأس قائمة الواجب المهني». وتسأل البسّام عن السبب الذي «يسمح للصحف بالتعبير في أكثر من زاوية عن موقفها السياسي، ولا يكون هذا متاحاً لمحطة تلفزيونية لا تملك إلا المقدّمة الإخبارية لتعبّر عن موقفها، علماً أني لا أدعو الناس إلى تبنّيه».
الا أن موقف قناة «تلفزيون الجديد» لم يكن واضحاً في المقدمة الإخبارية فحسب، بل في أدائها خلال تغطية الحرب. إذ دعمت تلقائياً المقاومة من دون انتظار أي توجيه من الإدارة: “سار العمل في شكل تلقائي، ولو كانت المقاومة «حزب الكتائب» أو «القوات اللبنانية» كنا سنتعامل معها بالطريقة عينها. عندما أكون بين خيارين، إما التضامن مع الـ«اف 16» أو الوقوف إلى جانب ضحايا مجزرة مروحين... فأنا بالتأكيد متضامنة مع أهل مجزرة مروحين. لا يمكنني أن أكون في الوسط». وتعبّر البسّام عن امتنانها للمحطة التي تعمل فيها: «أعطتنا “نيو تي في” هامشاً كبيراً من الحرية، في حين كانت هناك مؤسسات أخرى تدفع رواتب لموظفيها ليقولوا إن المعركة ليست معركتنا». وتؤكد أن هذا الموقف أجمع عليه فريق العمل كله. «إذا كان هناك تفاوت في الرأي في ما يتعلق بشؤون سياسية داخلية، فإن هذه الحرب لم تتطلب أي محاولات إقناع هذا أو ذاك من الزملاء بموقف معيّن، بالعكس لقد قطع العدوان الشك باليقين ورسّخ قناعات الكثيرين وتأكدت مواقفهم».
وتروي لنا مريم البسّام كيف كان اتخاذ القرارات سهلاً منذ اليوم الأول للعدوان. لم يكن من ضرورة لأي نقاش سياسي، واتخذ فوراً القرار بإرسال فريق إلى الجنوب. الا أنّ نقاشاً من نوع آخر حصل: «كنت أميل إلى إرسال نانسي السبع إلى الجنوب، لكنني اصطدمت برفض بعضهم إرسال فتيات إلى هناك». وسرعان ما حُسم النقاش مع ورود خبر إصابة فريق العمل (باسل العريضي وزياد سلوان وعبد خياط) ونجاته بأعجوبة. «تحمّس الجميع للذهاب إلى هناك وخصوصاً عندما شاهدوا باسل رافعاً شارة النصر بيده على الحمّالة في المستشفى”.
بعد هذه الحادثة، تقرّر انتقال فريق العمل من الطبقات العليا في مبنى التلفزيون إلى طبقة تحت الأرض: “شعرنا بأن الإعلام مستهدف. وكان الحديث يتردّد عن أن “تلفزيون الجديد” سيكون محطة «منار» ثانية. كما كثرت الإشاعات عن أن “المنار” و“الجديد” يتعاونان في البث، فاتخذنا الاحتياطات، وانتقل كل فريق العمل إلى الطبقات السفلى. كانت هذه الخطوة صعبة لأنها أفقدتنا 50 في المئة من جودة عملنا، بسبب افتقارنا إلى بعض التقنيات (الغرافيكس، الكومبيوتر، الهواتف وحتى المكيّف)”.
ونسألها لماذا لم يغادروا المبنى؟ “لم نغادر بسبب قلّة الإمكانات. محطة الإرسال والاستديوهات كلها موجودة في هذا المركز. لكن بعد الحرب، صرنا نفكر جدياً في خطة عمل جديدة لحالات الطوارئ”. وتنفي بالمطلق ما تردّد عن مساعدة “نيو تي في” لمحطة “المنار” في البث: “بالعكس، كنا في السابق نتبادل الأخبار والأفلام بوتيرة أكبر. أما خلال الحرب فكان التعاون في مستواه الأدنى”. وتشيد البسّام بفريق العمل في المحطة، وقد حصل أفراده على “مكافأة رمزية ضمن إمكاناتنا، ولا تساوي حجم الجهد الذي بذلوه».
هناك مسألة أخيرة، تبدو البسّام حريصة على توضيحها، بعد أن ترددت في الوسط الإعلامي أخبار عن احتمال انتقال “تلفزيون الجديد” إلى ليبيا! “نحن لا نخطّط للانتقال، كل ما في الأمر أننا عقدنا اتفاقاً مع محطة فضائية جديدة ستنطلق من ليبيا. ولمّا كان القيّمون على المشروع الجديد في حاجة إلى فريق عمل يساعد في التأسيس، فقد استعانوا بموظّفينا. سيذهب شخص واحد أو شخصان على الأكثر من كل قسم، لمدة ثلاثة أشهر على الأكثر”.
وعن ظروف الاتفاق مع التلفزيون الليبي، وسبب اختيار إدارته التعاون مع “الجديد”، توضح مريم البسّام: “كانت إدارة المحطة اتصلت بالـ“LBC”، لكن الطرفين لم يصلا الى انفاق. ثم دقّوا بابنا فوجدنا أرضية تفاهم، وخصوصاً أننا على علاقة جيدة مع أصحاب المشروع”.