حسين بن حمزة
الأرجح أن نجيب محفوظ هو الكاتب العربي الوحيد الذي قرئ وكتب عنه بهذه الكثافة. لكن معظم تلك الكتابات، ومن دون قصد ربما، كانت تمارس نوعاً من السطوة والضغط على الكيفية التي ينبغي تناول محفوظ بها. كان دائماً يتم التركيز على أمور تحظى بإجماع، وتستبعد أخرى يمكن أن يفضّلها بعض القراء. إن سطوة القراءة العامة لمحفوظ، أقصت قراءات شخصية غالباً ما تكون أكثر عذوبة، وأكثر حميمية. وقد يفضّلها الكثيرون على أطنان النقد الذي كتب عن محفوظ.
كل واحد منّا قرأ محفوظ بطريقته، وفضّل روايات وقصصاً على روايات وقصص أخرى. لكن من يمكنه اليوم أن يفتش عن هذه القراءات ويضعها في الواجهة. لقد مورس إرهاب غير متعمد ضد هذه المذاقات الشخصية لصالح قراءة شاملة وساحقة وشبه إجماعية. كل الذين كتبوا عن محفوظ ربطوا عظمته بـ“أولاد حارتنا” و“الثلاثية”. بعضهم أضاف “الحرافيش” وبعضهم ذكر، على مضض، رواية أو اثنتين غيرها. لكن ماذا عن رائعته المنسية “حضرة المحترم”؟ وماذا عن “الشحاذ” و“المرايا”؟ ماذا عن قصصه القصيرة في “خمارة القط الأسود” و“تحت المظلة” و“بيت سيئ السمعة” وسواها؟ وماذا عن المسرحيات التي نحا فيها منحى رمزياً وعبثياً، بعكس واقعية رواياته؟
هل نأمل أن يأتي يوم يسمح لنا فيه بالحديث مطولاً عن “ياسين” ابن أحمد عبد الجواد في الثلاثية، أو عن زوجته "أمينة”؟ هل سيسمح بالقول إن صفحات كثيرة في الثلاثية مملّة، من دون أن نتّهم بالتسرّع والجهل؟ وهل سيصدق أحد إذا قيل إنه لولا منع “أولاد حارتنا” لما ذاع صيتها؟ وإن “الحرافيش” قد تفوقها أهمية بالنسبة لبعض القراء؟