خالد صاغيّة
أصبح بإمكان اللبنانيين إضافة اسم جديد إلى لائحة الأشخاص الخارقين الذين خرجوا من بلاد الأرز. هذه البلاد التي لا تنجب إلا الخارقين أصلاً. إذ من الصعب العثور فيها على مواطن عادي. الجميع «فوق العادة». وأحد هؤلاء «الجميع»، حاكم مصرفنا المركزي الذي اختير أخيراً «أفضل حاكم مصرف مركزي» في العالم. ليس مهماً من اختاره. لم يُعنَ اللبنانيون كثيراً بهذا السؤال. المهمّ أنّه اختير الأوّل «في العالم».
الحاكم كان صريحاً لدى تسلّمه الجائزة. فقال، كمن يعلن أمراً بديهياً في إيجابيّته، «كان الهدف الرئيسي والثابت المحافظة على الاستقرار النقدي». للأسف، ليس هذا الأمر بديهياً في إيجابيّته. لذلك، يمكننا القول إنّ نجاح الحاكم الفعلي ليس اقتصادياً. نجاحه الفعلي، ونجاح الحكومات التي تواطأ معها، إيديولوجي. نجاح في إقناع فئات الشعب كافة بأنّ «الاستقرار النقدي» هو السياسة المثلى لتحقيق مصالحها. حدث ذلك في وقت شكّل فيه نقد هذه السياسة بالذات الشغل الشاغل للاقتصاديين المعارضين لما آل إليه وضع الطبقات الفقيرة في العالم. العالم نفسه الذي احتلّ حاكمنا فيه المركز الأوّل.
يبشّرنا الحاكم: «ستستمرّ هذه السياسة في المستقبل للحفاظ على القدرة الشرائية للشعب اللبناني». هنا تأتي لعبة الحاكم. فالليرة حافظت على قيمتها، لكنّ المستوى المعيشي لم يكفّ عن الانخفاض. هنا يأتي تحريف الواقع. فليست القدرة الشرائية ما تمّ الحفاظ عليه، بل أرباح طبقة معيّنة. طبقة يعرفها الحاكم جيّداً. طبقة يخدمها الحاكم جيداً.