دمشق ــ الأخبار
سلمى الحفّار الكزبري التي رحلت في دمشق عن 83 سنة، صوت فريد على خريطة الأدب العربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. تعتبر هذه الكاتبة التي جمعت في تكوينها بين بيروت ودمشق، إحدى آخر وريثات العصر الذهبي للثقافة الحديثة الذي يحمل بصمات رائدات سوريات مثل كوليت خوري ووداد سكاكيني وهيام نويلاتي...
ولدت سلمى في كنف أحد السياسيين البارزين، من جيل الاستقلاليين في سوريا. والدها لطفي الحفار كان بيته بيت علم وجهاد وطني وسياسة. تعلّمت سلمى أصول اللغة العربية على يده يوم نفته السلطات الفرنسية إلى مدينة أميون في لبنان. ولما عادت العائلة إلى دمشق، أُرسلت الابنة إلى الكُتّاب في جوار المنزل الدمشقي القديم لتتعلم القرآن. ومنه إلى مدرسة الفرنسيسكان، حيث أمضت تسع سنوات، أتقنت خلالها الفرنسية التي وضعت فيها أول مؤلفاتها. وتلقّنت أصول العربية على يد الأديبة السورية ماري عجمي. وألمّت بالإسبانية والإنكليزية.
بعد وفاة زوجها الأول محمد كرامي (شقيق عبد الحميد كرامي)، تزوجت الدكتور نادر الكزبري، وسافرت معه إلى الأرجنتين والتشيلي حيث كان يعمل وزيراً مفوضاً لسوريا. وعند انتقال زوجها إلى السفارة السورية في مدريد، انتسبت إلى جمعية الكتّاب هناك وألقت محاضرات باللغة الإسبانية عن المرأة العربية وأثرها في التاريخ والأدب.
جمعت الكاتبة بين الواقع الذاتي والمادة والمخيلة، وزاوجت بين واقعها الشرقي و“تطلعاتها” الغربية في عدة أعمال.
كتبت سلمى الحفار الكزبري في بداياتها باللغة الفرنسية، إذ أصدرت في عام 1958 ديوان شعر بعنوان “الوردة المنفردة”، وفي عام 1966 ديواناً آخر بعنوان “عبير الأمس”. لكن معظم أعمالها جاءت بالعربية. في القصة: “حرمان” (1952)، “زوايا” (1955)، “الغربية” (1966)، والرواية: “يوميات هالة” (1950)، “عينان من إشبيلية” (1965)، “البرتقال المر” (1974)، والسيرة الذاتية: “عنبر ورماد” (1970)، “الحب بعد الخمسين” (1989)، والدراسات الأدبية: “نساء متفوقات” (1961).
وقد جمعتها “صداقة أدبية” خاصة بمي زيادة التي لم تعرفها شخصياً، لكنها أمضت شهوراً تنبش في عالمها وكتاباتها غير المعروفة، فاقتفت أثرها والتقت معاصريها وأنسباءها، وسلّطت الضوء على جوانب خفيّة من حياتها وعلاقتها بالأديب جبران خليل جبران، وعرّت بعض الـأفكار المتداولة عن زيادة ولا سيما أسطورة جنونها في آخر حياتها. واستطاعت أن تُخرج الى النور نصوصاً لزيادة نُشرت في أول مسيرتها الأدبية في الصحف والمجلات ودفنت هناك.
كان كتابها “الشعلة الزرقاء” مرجعاً مهماً عن علاقة جبران ومي زيادة عبر رسائلهما المتبادلة. وأسهمت في الكتابة عن الأدب الأندلسي. وجمعت ذكرياتها الإسبانية مع نزار قباني في كتاب بعنوان “عاشق دمشق يتجوّل في الأندلس”.