وسط زحمة المهرجانات الصيفية، تأتي حفلة بسام سابا (1959) وإبريل سنترون في «مسرح المدينة» غداً لتضفي نكهة مختلفة على الموسم. ترعرع سابا في أجواء موسيقية منذ نعومة أظفاره. كانت الآلات موجودة في المنزل، ما جعل احتكاكه بالموسيقى يومياً، حتى باتت جزءاً من حياته. قاده حلم التخصص في الموسيقى والتطور في هذا المجال الى الدراسة في الكونسرفاتوار في بيروت. ثم انتقل الى باريس لإكمال دراسته في الفلوت الجانبي (Flûte traversière) والموسيقى الكلاسيكية.
يقرّ سابا أنّ فرصة اللقاء بموسيقيين محترفين كانت من اللحظات المهمة في مسيرته. في باريس، تعرّف الى مرسيل خليفة وخالد الهبر. يتذكر: «فرقة «الميادين» بدأت من هناك، وكنت ضمنها أعزف على الكمان والناي. ثمّ أصبحت الفلوت التي الأساسية. في 1980، ذهبت الى موسكو وأكملت دراستي في الآلة والتربية الموسيقية. خلال هذا الوقت، كنت على اتصال مع مرسيل وزياد الرحباني. كانت مرحلة أساسية بالنسبة إليّ انتقلت فيها من الموسيقى الكلاسيكية العربية الى موسيقى ذات خليط أكبر. تعلمت الكثير من زياد. كان صديقاً وكذلك مرسيل. تطورت الأمور الى علاقات موسيقية شخصية وكانت مرحلة أساسية في ما يتعلق بممارسة الموسيقى. عدت الى بيروت، وعملت مع زياد وفيروز ومع مرسيل من دون أن أنسى صديقي توفيق فروخ”.

ترتكز الأمسية
إلى مؤلفاته بشكل
أساسي

اللقاء مع الموسيقي الفلسطيني سيمون شاهين في نيويورك غيّر وجهة سابا حيال الموسيقى العربية الكلاسيكية. عاد الى الآلات العربية أي العود والناي. في عمل شاهين، ميلٌ الى الموسيقى المعاصرة أو خلطة ثقافات: “ركّزنا على الموسيقى العربية من الناحية الأكاديمية، فأدركت أبعادها وتاريخها وكيف هي مركبة ومبنية على إيقاعات ومقامات غنية جداً. كما تعمقت في مفهوم التقسيم في الموسيقى العربية. تطرقنا الى منهج تعليمها، وكيف نوصلها الى الطلاب”.
بمعزل عن كونه موسيقياً ممارساً، يعطي سابا الدروس في نيويورك. نظراً الى تمرّسه في تقنية العزف على الفلوت الغربي والناي العربي، طوّر منهجاً خاصاً: “لدي الكثير من الطلاب. أنجزت منهجاً للناي وللعود حول كيفية إيصال التعليم بطريقة مختلفة وبمنهجية معينة، وكيفية بناء الأفكار والتمارين وشرح الآلة للتلميذ. أملك الأساس الكلاسيكي، ومفاهيم التنفس والـ”فيبراتو” وتقنية الفلوت. طبقت جزءاً منها على الناي لأطوّر إمكاناته العزفية وأفتح المجال أكثر أمام المؤلفين ليكتبوا ما يتطلب براعة أكبر. لكن لا يعني أنني غيّرت طبيعة الآلة. ليست هي عقدة من الغرب. الناي ليس بحاجة ليصبح فلوت”. في هذا الصدد، يتحدّث سابا عن كونشيرتو ناي لمؤلف سويسري صديق في نيويورك (دانيال شنايدر)، معتبراً إياه أول تجربة جادة في المجال. فقد طبّق منطق الكونشيرتو الغربي على الناي مع ما يعنيه ذلك من أفكار معقّدة، تطلبت عازفاً يتقن الأداء، فكان سابا. في الوقت عينه، كان على المؤلف أيضاً أن يدرس طابِع الناي وخصوصيته مع سابا ليأتي بهذه النتيجة.
لسابا ميل واضح الى الارتجال على المسرح في حفلاته، في وقت نرى أن هذا العنصر الأساسي في الموسيقى العربية شبه غائب لدى معظم الفنانين المعاصرين. في نظره، الخطر حقيقي: “عشت فترة في لبنان قبل أن أسافر الى أميركا وأدركت أن هناك مشكلة هوية. الناس لا يعترفون بحقيقة أنفسهم وما ينتمون إليه. لاحظتُ عدم كفاءة الموسيقي مع احترامي للجميع. لم تكن هناك معلومات كافية وجدية لدراسة الموسيقى العربية، وهي نتيجة تطبيع الثقافة الغربية في لبنان الذي يعشق الذهاب الى الغربي. لكن الغربي ليس بحاجة إلينا لنعزف موسيقاه، بل يريد سماع موسيقانا وثقافتنا منا. ثم إن بعضهم يعتبر أن الموسيقى العربية متخلفة من دون منهج ولا تُدرَّس جدياً. قد يكون ذلك صحيحاً إن أخذنا في الاعتبار كيف تُخرّج معاهدنا الطلاب والى أي مدى الأساتذة الذين يدّرسون الموسيقى جديّين وكيف يحضن المجتمع هؤلاء الموسيقيين. للأسف لا يتعمق الموسيقي في دراسة الموسيقى العربية، مع أنّها ذات إمكانات رهيبة تتخطّى بأشواط الموسيقى الغربية. لا تُنمَى لديهم موهبة الإبداع والارتجال على المسرح، ولا يدرسون فكرة التقاسيم. ليسوا قادرين على الإتيان بفكرة موسيقية ذات معنى. العام الماضي طلبت من عازفة قانون في المعهد أن تقسّم على القانون، فقالت لي إن ذلك ممنوع في منهجية الكونسرفاتوار. فوجئت جداً. هم يعتبرون أن التقسيم فكرة قديمة ونحن نعيدها”.
بالعودة الى الأمسية التي ستجمعه بعازفة الايقاع إبريل سانترون، يعدّ سابا برنامجاً سيتضمّن مؤلفات له بشكل أساسي، ويرافقه مع إبريل بيانو وبايس كهربائي. يقرّ سابا أنه صعب عليه إيجاد موسيقيين متوافرين بسبب انشغال الجميع بالمهرجانات. بدأت العلاقة الموسيقية بين سابا وسانترون عندما أتت الأخيرة للدارسة في الـArabic Music Retreat الذي يُنظم سنوياً في ماساشوستس لمدة أسبوع في الصيف وتتم خلاله دراسة المقامات العربية والايقاعات وتحليلاتها وآلاتها مع عدد من الموسيقيين المعروفين على غرار شربل روحانا. انتقلت سانترون من هناك الى نيويورك حيث أبدت اهتماماً بالموسيقى العربية، فراحا يعزفان في حفلات ثم في فرق مصغّرة. أسست معه «أوركسترا نيويورك العربية» التي وصل عدادها الى 45 عازفاً حالياً، معظمهم من الأميركيين، يقدّمون الحفلات في أماكن عريقة أبرزها الـ”كارنيغي هول”.

بسام سابا: 20:30 مساء الغد ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا) ـ للاستعلام: 01/753010