القاهرة | على نفقته الخاصة ومن دون دعم وزارة الثقافة، تمكّن النحات المصري آدم حنين (1929) أخيراً من افتتاح متحفه الخاص وتحقيق الحلم الذي تفرغ له طوال عشر سنوات. تعطي تجربة تأسيس المتحف نموذجاً فريداً في العمل الثقافي المستقل. استطاع حنين حماية حوالى4 آلاف عمل فني تمثل خلاصة تجربته ووضعها في بيته الكائن في قرية الحرانية (على بعد30 كيلومتراً من قلب القاهرة) الى جوار «فيلا رمسيس ويصا واصف». تتجاوز مساحة البيت 2000 متر مربع، خصص منها حوالى 600 متر مربع (كناية عن 3 طوابق) لعرض الأعمال بإشراف فنان الديكور المصري أنسي أبو سيف، ومنسق اللوحات المصري المعروف كريم فرنسيس. المنزل الذي اشتراه حنين رداً على نكسة الـ 1968، يحتوي على حديقة متحفية، ومبنى يتكون من ثلاثة طوابق (ارتفاع 9 أمتار). وكان حنين قد أنشأ «مؤسسة آدم حنين للفن التشكيلي» عام 2007 للحفاظ على التراث، وتضم وزارة الثقافة عضواً مؤسساً، إضافةً إلى جمعية أصدقاء الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين.

يومها، سلّم حنين حوالى 4000 عمل فني، ووهب أمواله وأعماله والأرض المقام عليها المتحف للمؤسسة، إضافة إلى بنائه المتحف على نفقته الخاصة بعد حصوله على موافقة وزارة التضامن الاجتماعي، كما وهب 76 عملاً من أعماله الفنية لمكتبة الاسكندرية.
يؤكد حنين أنّ العام الذي خاضت مصر فيه تجربة حكم الإخوان المسلمين دفعه إلى التعجيل بافتتاح المتحف كنوع من الرد على أناس كانوا «يريدون تدمير هوية مصر».
يضم المتحف عدداً من المنحوتات والأعمال، كـ «حارس الأفق»، وهو تمثال ضخم يضع يده بمحاذاه جبهته، وينظر بإمعان في الأفق كأنه يستطلع الآتي، ومركب ضخم من الغرانيت نقش عليه اسم زوجته الراحلة عفاف، التي حملها المركب الى الجانب الآخر من الحياة. هذا العمل شاع تعريفه في الأوساط الفنية باسم «سفينة نوح». تسمية مجازية يرتاح لها آدم، لأنّها مكنته من إنقاذ أعمال يزيد عمرها على 60 عاماً من طوفان النسيان. كما يضم المتحف الأعمال النحتية الضخمة المصنوعة من الغرانيت، والبازلت، والحجر الصناعي، والفخار الزلطي، والأكريليك على خشب، والفريسكو، والتمبرا، أشهرها تمثال أم كلثوم، الى جانب أعمال نحتية خشبية برونزية مذهّبة وتماثيل وجداريات وصولاً إلى أعماله الفنية على البردى.
طوال تاريخه، لم يفضل حنين تجربة العرض في القاعات لأنّها تحرمه التواصل مع الجمهور مباشرة، وخصوصاً أنّ العرض في الصالات يقتصر على جمهور محدود هو المهتمون والمقتنون والاعلاميون.
يتمتع آدم بشهرة عالمية كأحد أبرز النحاتين في العالم العربي. درس في مرسم انطوني هيل في ميونخ عام 1957، بعدما أنهى دراسة حرة للفنون على يد المصور الرائد أحمد صبري، ثم عاش فناناً محترفاً في باريس عام 1971. قبل ذلك، كان ضمن طليعة أدبية وفنية تمثل جيل الستينيات في مصر. لاحقاً، عاد إلى مصر بدعوة من وزير الثقافة السابق فاروق حسني لمتابعة عملية ترميم تمثال أبي الهول في منتصف التسعينيات. برغم أنّ التجربة أصابته برهبة تحمّل مسؤولية أشهر تمثال في العالم، إلا أنّه استطاع التعامل مع التجربة لأنّه كان هاضماً لفن النحت المصري القديم، وفي الوقت عينه لم يلجأ في أعماله الى نسخ هذه النماذج. هو يبدو أكثر ميلاً الى النحت المعاصر في نزوعه الى التجريد والاختزال، الى جانب الحرص على التعامل مع خامات وأحجام عديدة وصولاً الى النحت الصافي، أو ما يسمّيه «الحقيقة العارية».
في بداياته، كان شغوفاً بالنحت المعدني، وخصوصاً باستخدام البرونز والنحاس، غير أنّه في سنواته الأخيرة، استعاد شغفه بالعمل على خامات أخرى هي الغرانيت وأخيراً خامات شعبية كالجبس أو الجص. في الخمسينيات، أنجز العديد من الرسوم التصويرية، التي تكشف عن خطوط وألوان متميزة، يمكن أن تجد لها أثراً في مجموعة الوجوه التي يعرضها في الطابق الأول من المتحف، أو مجموعة الاسكتشات التي تكشف عن مرونة الخط وذهابه نحو التجريد في وقت مبكر. ومن بين أعمال تلك المرحلة، التي امتدت حتى نهاية الستينيات، يعتز حنين اعتزازاً خاصاً بتجربته في رباعيات الشاعر صلاح جاهين الشهيرة وهي تجربة حوار فريدة بين النص الشعري واللوحة.
الحلم الأكبر في تجربة حنين قبل المتحف، ارتبط بتأسيس «سمبوزيوم النحت» في أسوان، وهي تجربة وضعته في تحدي العمل بخامة الغرانيت التي ورثها عن الفراعنة، ومن هنا ظهرت السمة الصرحية في أعماله كلها.