ليس هناك مَن يظلم هيفا وهبي أكثر من هيفا نفسها. وليس هناك من يطمس مواهبها الحقيقية خلف الصورة النمطية المبتذلة أكثر من خياراتها الفنية. بعد «دكان شحاتة» (خالد يوسف ـ 2009)، يأتي فيلم «حلاوة روح» ليؤكد أنّ هيفا يمكنها أن تكون استمراراً لنجمات إغراء الحقبة الكلاسيكية في السينما العربية، لكن لسبب ما، تقرّر أن تكون مجرّد سلعة ترويجية تدرّ المال بأي ثمن.
قبل أيام، انطلق «حلاوة روح» في الصالات اللبنانية. وكعادتها، تنجح هيفا في استدراج انتقادات مَن يكرهها في العلن، ويستمتع بمشاهدتها في السرّ. إنّه تناقض مجتمعي عميق، يشبه كثيراً التناقض الموجود في «حلاوة روح» نفسه. يتحدّث الشريط عن «روح» (هيفا وهبي) «الشريفة» ويقدمها في أسلوب مبتذل. يصرّ المخرج سامح عبد العزيز وخلفه المنتج محمد السبكي على تسويق العمل من خلال التركيز على مشاهد هيفا المغرية التي لا مكان حقيقياً لها في الحبكة، فكانت لزوم ما لا يلزم درامياً، ولزوم ملء الصالات تجارياً. أما استخدام الجسد لكسب المال، فله توصيفات كثيرة في السينما وغير السينما إجمالاً. لكن هل كانت خيارات المخرج بريئة مثلاً؟ ألم يكن تقليد فيلم «مالينا» في الحملة الترويجية بهدف الإيحاء للجمهور بأنّ العملين متشابهان في مضمون القصة وما فيهما من إغراء وإثارة؟
أبدع الطفل
كريم الأبنودي
في التمثيل


ولماذا كانت كلّ المشاهد المسرّبة من العمل تتعلق حصراً بمشاهد هيفا المثيرة والمحشوة في العمل كالمشاهد التي تحلم فيها أو تلك التي تكون فيها عرضة للتلصّص؟ لا يمكن أن يتصور أحد أنّ روح هي فتاة «شريفة» ترفض كل إغراءات «الانحراف» لتحافظ على بيتها و«شرفها». لكنها تعيش في مجتمع وسخ تغيب عنه أبسط القيم الأخلاقية، فتتعرض للتعنيف والاضطهاد والتحرّش والاغتصاب ولا تجد شخصاً واحداً في الحارة الشعبية ليدافع عنها من دون مقابل باستثناء الطفل «سيّد» الذي أحبّها أيضاً. يذكّرنا «حلاوة روح» بحقبة في السينما المصرية ولو من دون أن ينقلنا إليها، وتحديداً الحقبة الممتدة من السبعينيات الى أواخر الثمانينيات، من حيث القصة وتركيبتها الدرامية ومن حيث الكليشيهات التي بدأت تنسحب تدريجاً من أعمال الجيل السينمائي الجديد في مصر إلى كليشهات التصوير وتقسيم الأدوار والحبكة الدرامية وصولاً الى حشر الأعراس والرقّاصات والأغنيات الشعبية المطولة تسويقاً لمغن وترويجاً لراقصة. لكن اللافت أكثر أنّ هيفا تنجح في امتحانها الثاني أن تكون ممثلة جدية تقتحم السينما المصرية رغم صعوبات اللهجة التي أتقنتها والصورة النمطية التي تسبقها إلى تلك السوق. الحق يقال إنّ هيفا بدت مقنعة في أدائها، وبعيدة عن التكلّف والتصنع، ما يؤكد بأن في إمكانها السير على درب حسناوات السينما المصرية اللواتي استخدمن الإغراء كقيمة مضافة لا كقيمة أساسية، كزبيدة ثروت، وهند رستم وسعاد حسني. لكن أولاً على هيفا أن تتجرأ وتخفف من المشاهد الإيروتيكية في أعمالها لأنّ نجاحها لا يعتمد على المشاهد المماثلة للدقائق الأولى من فيلم «حلاوة روح». ليس الأخير عملاً جيداً. فيه الكثير من نقاط الضعف في الإخراج والتصوير وغياب اللغة السينمائية الجميلة، فضلاً عن بعض المشاهد المثيرة للسخرية لإفراطها في تصنّع الدراما، لكن هذا لا ينكر أنّه يحمل بعض نقاط القوة التي تشدّ المشاهدين إليه، لا سيما العلاقة الدرامية الجميلة بين روح وسيد (كريم الأبنودي) الذي أبدع تمثيلاً، فضلاً عن قصة العمل المفرطة في السوداوية التي تسعى إلى تضخيم المأساة لإظهار مدى سوء النفس البشرية والفصام الاجتماعي، فضلاً عن عدم وقوع الكاتب (علي الجندي) في فخر صنع المنقذ أو البطل المخلص، ما أعطى العمل نكهة واقعية. لكن العبرة المستخلصة تبقى لهيفا قبل غيرها: إذا كانت لديك القدرة لتكوني المنتج، فلماذا ترضين بدور «الأفيش» إذاً؟



«حلاوة روح»: صالات «غراند سينما» (01/209109)، «أمبير» (1269)، «بلانيت» (01/292192)