إنه عام ٢٠٠٦. مجموعة من الأصدقاء من خريجي «معهد الفنون الجميلة» (قسم المسرح ـ الجامعة اللبنانية) اجتمعوا واتفقوا على أنهم لا يريدون العمل في قطاعات التلفزيون أو الإعلانات أو الإنتاج.
ما يهمهم كان المسرح، وكي لا ينتظروا مخرجاً هنا أو هناك لدعوتهم للمشاركة في عمل مسرحي، أسّسوا فرقة، فكانت «زقاق» التي أبصرت النور على يد: لميا أبي عازار ودانيا حمّود ومايا زبيب وجنيد سري الدين وكاتب هذه السطور، قبل أن ينضم هاشم عدنان لاحقاً إلى الفرقة. كما كانت هناك وما زالت مجموعة من الأصدقاء الملتفين حول الفرقة مثل مايا الشامي ورندا ميرزا، ممن أسهموا في دعم أنشطة الفرقة حتى اليوم.
انطلقت الاجتماعات الأولى في منازل الأعضاء إلى أن استطاعت الفرقة استئجار استديو متواضع في منطقة العدلية في بيروت، فتحول إلى مركز الاجتماعات والتمرينات وإقامة الورش، وغرفة تستقبل ضيوف الفرقة في إقاماتهم الفنيّة. في بادئ الأمر، نشطت الفرقة في تنظيم وإدارة وتنشيط المداخلات النفسية/ الاجتماعية بإدارة لميا أبي عازار المتخصصة في المجال عقب حرب تموز ٢٠٠٦، ثم في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على جميع الأراضي اللبنانية، وعقب تدمير مخيم نهر البارد ونزوح أهله إلى مخيم البداوي. مداخلات ما زالت الفرقة تجريها حتى اليوم، منها في السجون اللبنانية، ومع مختلف الجمعيات المدنية. تلك الأنشطة كانت تؤمن لأعضاء الفرقة بعض الدخل الذي يسمح لهم بالتفرّغ للبحث والعمل الفني. لكن المرحلة المفصلية كانت في الإقامة الفنية التي انخرطت فيها الفرقة لمدة شهر بين قرية في كتالونيا وأخرى في الباسك في إسبانيا. هناك، بدأ التوجه الفني للفرقة يتخذ مساراً أوضح، وتبلورت فكرة العمل الجماعي المسرحي الذي يقوده في كل مرّة مخرج أو اثنان من الفرقة بالتداول. إثر تلك الإقامة، بدأ العمل على عرض «هاملت ماكينه» (٢٠٠٩) الذي أخرجه عمر أبي عازار، ثم كرّت السبحة. واتفقت الفرقة منذ البدء على إنتاج أعمال جماعية، وإفساح المجال للأعضاء لإنتاج أعمالهم الخاصة المدعومة من الفرقة مثل «علبة الموسيقى» (٢٠٠٨) لمايا زبيب، وعرض الرقص «محلّي» (٢٠١١) لدانيا حمّود. وفي جميع تلك الحالات، حافظت المجموعة على انفتاحها على التعاون مع فنانين خارج الفرقة، مثل عرض الرقص الأخير لدانيا حمود «يداي أكبر سناً منيّ» (٢٠١٤) الذي تعاونت فيه مع خلود ياسين ومنذر بعلبكي، وقدم أخيراً في باريس.
لا شكّ في أنّ «زقاق» كرسّت اليوم مكانتها ضمن المسرح اللبناني الحديث. والأهم أنها أثبتت بعد ٨ سنوات من العمل أنّ منهج الفرقة المسرحية ما زال ممكناً وصالحاً ومثمراً، في وقت يعاني المسرح اللبناني من قلة الإنتاج والتحديث. خلال السنوات الأخيرة، حدّثت الفرقة في المسرح اللبناني، لناحية أسلوب توليف النصوص والإخراج، ضمن المنهج المسرحي الذي ما زال يستند إلى عناصر كلاسيكية مثل الممثل، الشخصيات والنص الدراميّ والحائط الرابع (وكسره). وإذا كانت تجربة الثنائي ربيع مروّة ولينا صانع تعتبر من أهم التجارب في المسرح اللبناني الحديث مع الثورة على المسرح الكلاسيكي واقتراح قالب عرض المحاضرة، فإنّ «زقاق» تقدم مسرحاً لبنانياً معاصراً جديراً بالتوقف عنده عبر العناصر الكلاسيكية للمسرح. في مثل هذا التاريخ العام الماضي، توجهنا إلى مقهى «ة مربوطة» لدعم «زقاق». وهذه السنة أيضاً، تدعونا الفرقة إلى دعمها في مقهى «مزيان» الجديد. سياسة يعتمدها العديد من الفرق العالمية سنوياً بهدف تأمين بعض الدعم المادي من جمهور الفرق المسرحية، ما يضمن استقلاليتها عن أجندات صناديق الدعم الرسميّة والخاصة. إذاً، لقاؤنا يوم الاثنين مع «زقاق» في «مزيان» حيث سنشاهد عروضاً قصيرة من أعمالها في «مزيان»، وندعم مشاريعها وخطواتها نحو سنة جديدة، ونكون ضمن مجموعة الممولّين الأصدقاء.

«حفل، حفلة، احتفال» برنامج دعم «زقاق» في سنته الثانية: 19:00 مساء الاثنين 30 حزيران (يونيو) ـــ مقهى «مزيان» (بناية راسامني ـ شارع الحمرا ـ بيروت)




هو الذي رأى كل شيء

إثر دعم «زقاق» العام الماضي، تمكنت الفرقة من إنتاج عروض «أليسانة، تدريب على الطاعة» عن نصّ إبسن، و«فصول مدرسيّة» الذي قدم على خشبات المدارس، وعرض «جنّة جنّة جنّة» الذي ما زال يقدم في المدن والقرى اللبنانية. كما انطلق مشروع «أرصفة زقاق» الذي استقبل في كل شهر من 2013 فناناً عالمياً جديداً، ضمن إقامة فنيّة يقدم فيها عرضاً مسرحياً أو أكثر، ويدير ورشة مفتوحة للراغبين. وأخيراً شاركت الفرقة في ورشة عمل، نتج منها عرض «هو الذي رأى كل شيء» لمايا زبيب وعمر أبي عازار وقدِّم في أحد أعرق المهرجانات المسرحية العالمية، أي «مهرجان لندن الدولي للمسرح».