لا يكاد يستريح اللبنانيون من خبر مؤلم حول تصرّفات ظالمة بحقّ أطفال بلدهم، حتى تأتيهم حادثة أخرى أو أخبار جديدة حول حوادث سابقة. كان الأربعاء والخميس الماضيَان حافلين، إذ ضجّت مواقع التواصل، كما الإعلام، بثلاثة أخبار مختلفة قاسمها المشترك أطفال أبرياء.هكذا، كان الخبر الأوّل حول قضية الطفلة الضحية لين طالب التي توفيت بداية الشهر الجاري بعد تعرّضها للاغتصاب، ولا يزال الهاشتاغ باسمها يتصدّر موقع تويتر. الخبر كان ثبوت براءة عمّ الطفلة الذي كانت الحملات الافتراضية قد شيطنته وأدانته قبل صدور أيّ حكم بحقّه. ولئن كان تصرّف مماثل مبرَّراً بعض الشيء نظراً إلى بشاعة الجريمة وتحمّس الناس لكشف المجرم ما يضع جميع المحيطين بالضحية في دائرة الشبهة، إلّا أنّ ما حصل كان بمثابة تنبيه حول نتائج اغتيال شخص ما افتراضيّاً من دون دلائل واضحة ومثبتة. وجاء استدعاء جدّها من أمّها ليطلق حملات افتراضية ضدّه، وخصوصاً بعد ظهوره خلف الجدّة في مقابلة معها نُشرت على تطبيق «تيك توك». علماً أنّ المعلومات الأمنية تفيد بأنّ التحقيق معقّد لأنّ هناك مشتبهاً فيهم كثيرون مع غياب للأدلّة الدامغة.
(إيفان دبس)

الخبر الثاني يتعلّق بقضية تعنيف أطفال في إحدى الحضانات في جديدة المتن، وهي قضية لم تهدأ المنشورات حولها بعد منذ الكشف عنها الأسبوع الماضي، ولا التغطية الإعلامية اليومية المواكبة لها ولتحرّكات أهالي الأطفال المتضرّرين. استمرّ الناشطون في المطالبة بإنزال أشدّ عقوبة بحقّ مربّية الأطفال التي ارتكبت التعنيف، ولم يهدِئ من غضبهم إصدار قاضية التحقيق في جبل لبنان رانيا يحفوفي يوم الثلاثاء مذكّرتَي توقيف وجاهيّتين بحقّ مالكة الحضانة والمربّية، بل ازداد استنفارهم وعطشهم للعدالة.
الخبر الثالث هو الذي ملأ المواقع في اليومَين الماضيَين أكثر من غيره، كونه جديداً، لكنّه لم يقلّ قساوةً عن سابقَيه. حملات واسعة ومنشورات غاضبة، سببها العثور على طفلة رضيعة مرمية في كيس للقمامة في طرابلس. لكنّ المشهد الأكثر سوداوية كان طريقة العثور عليها، إذ لولا جرّ كلب شارد للكيس ولفته الانتباه إليها، لما تمّ إنقاذها ونقلها إلى المستشفى. المشهد هذا هو ما أثار استهجان روّاد مواقع التواصل، كما شكّل نقطة الارتكاز التي استندت إليها وسائل الإعلام في إضاءتها حول الموضوع. وتسابقت القنوات للحصول على مقابلات مع المعنيّين للوقوف على ما جرى. الصادم كان تكرار رمي أطفال في القمامة بعد يوم واحد فقط من حادثة طرابلس. إذ عُثر فجر أمس الخميس على طفلَين حديثَي الولادة في كرتونة تحت جسر نهر ابراهيم، وتمّ نقلهما إلى «مستشفى سيدة مارتين» في جبيل، فاندمجت الحملات على ما حصل في طرابلس التي لم تكن خفتت بعد، بالمنشورات عن هذه الحادثة الجديدة. ودفع تكرار الجرائم المماثلة والحملات الافتراضية «المجلسَ الأعلى للطفولة» برئاسة وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، إلى الانعقاد في اليوم نفسه للبحث في سبل حماية الأطفال.
هكذا إذاً يستمرّ المسلسل الإجرامي الطويل بحقّ أطفال لبنان، مع ظلم آخر يطالهم بالإضافة إلى الحوادث التي يتعرّضون لها. القاسم المشترك بين الجرائم المذكورة، غير ارتكابها بحقّ أطفال، هو في عدم احترام الخصوصيّات والمعايير الإنسانية والأخلاقية عند نشر صورهم على منصّات التواصل وحتى على بعض القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية. ورغم تكرار معزوفة الدعوة إلى احترامها وعدم بثّ مشاهد حسّاسة عند كلّ استحقاق مشابه، إلا أنّ الخطأ يتكرّر وليس هناك من حسيب أو رقيب، ولا حتى المعايير «المعكوفة» عند بعض شركات التواصل مثل «ميتا» التي تحذف كلّ ما هنالك من منشورات إلّا ما يجب حذفه.