لا شيء يقينياً تجاه أي حدث جدلي في المحروسة. قاعدة تنطبق على الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية في المرحلة الحالية، لكنّها تشمل أيضاً القضايا الفنية الجدلية، وآخرها الحفلة المنتظرة لمغنّي الراب الأميركي الشهير ترافيس سكوت بجوار الأهرامات في 28 تموز (يوليو) الحالي. يومياً، تصدر بيانات متضاربة حول إلغاء السهرة التي قسمت الرأي العام، كما حدث مراراً في السابق في مواقف عدّة.
يُتهّم الفنان بممارسة «طقوس شيطانية» على المسرح

رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي تدير شركته «أوراسكوم» منطقة الأهرامات بناءً على تعاقد سابق مع الحكومة المصرية، نشر تعليقاً على تويتر ربّما يلخّص شكل الأزمات المتكرّرة في الشارع المصري وخصوصاً الفنية منها. إذ أكّد أنّ لا مصلحة له في إقامة الحفلة من عدمها، لكن طالما أنّ الفنان المثير للجدل دُعي واشترى الناس تذاكر باهظة الثمن، فيتعيّن أن يكتمل الأمر حتى النهاية. أما في حال وجود محاذير تمنع سكوت من الوجود في مصر، فمن الأولى عدم الإعلان عن الحفلة بدايةً تفادياً للانتقادات المتوقّعة لقطاع السياحة وسوق تنظيم الحفلات التي لا يتحمّلها الاقتصاد المصري في هذه الظروف. لكن مطالبة ساويرس بالحسم لم تصل على ما يبدو إلى الجهات المعنية. في الوقت الذي خرج فيه المتحدّث باسم نقابة الموسيقيين، محمد عبد الله، يوم الإثنين الماضي، ليعلن سحب تراخيص الحفلة من الشركة المنظمة، أعلنت حسابات تابعة للفنان البالغ 32 عاماً أنّ السهرة ستقام في موعدها. ولغاية كتابة هذه السطور، ما زال النشاط مدرجاً على موقع «تيكيت مارشيه» المسؤول عن بيع التذاكر، في ظلّ استعداد محبّي سكوت من خارج مصر لشدّ الرحال إلى القاهرة للاستماع لألبوم فنّانهم المفضل الذي سيُطلقه للمرّة الأولى من «مسرح الصوت والضوء» بجوار أهرامات الجيزة.
ما زالت السهرة مُدرجة على موقع «تيكيت مارشيه» المسؤول عن بيع التذاكر


في هذا السياق، نفى مدير «تيكيت مارشيه»، محمد سراج، في تصريحات إذاعية كل ما يقال عن الإلغاء، مؤكّداً أن السهرة ستقام في موعدها. ترافق ذلك مع تصريحات متناقضة لمصدر مسؤول في منطقة الأهرامات. إذ قال الرجل إنّه لا يوجد حجز باسم سكوت في 28 تموز 2023، لكن لا مانع من قبول الحفلة إذا «توافرت الشروط اللازمة»، ليفاجئ بعدها نقيب الموسيقيين المصريين، مصطفى كامل، الجميع ويُطلق فيديو تبلغ مدته خمس دقائق ينسف فيه ما قاله المتحدث باسم نقابته، محمد عبد الله، في وقت سابق، مؤكّداً أنّه ضدّ المنع وأنّ الحفلة يمكن أن تُقام في حال توافر الشروط اللازمة. ثم يضيف المعلومة التي تؤكد حجم العشوائية وهي أنّه عندما منحت النقابة الترخيص للشركة في البداية قبل سحبه، لم تكن تعلم الكثير عن الانتقادات الموجّهة لسكوت، أي إنّ نقابات الموسيقيين وباقي الجهات المعنية في مصر توافق أوّلاً على الحفلات وتحصّل الرسوم المطلوبة، ثم تنظر ما إذا كان الرأي العام سيثور ضدّ الضيف الآتي من الخارج أم سيصمت ويمرّ الحدث في هدوء. السيناريو نفسه تكرّر قبل أشهر مع الكوميدي الأميركي الشهير كيفين هارت الذي كان يُفترض أن يقدّم عرض «ستاند أب» في شباط (فبراير) الماضي، لكن اتهامه بالترويج لأفكار الأفروسنتريك عرّضه لحملة ساخنة ألغت النشاط قبل موعده بفترة طويلة. وفي العام الماضي، نجحت الدعوات لإيقاف حفلة المغربي سعد لمجرّد المتّهم بالاغتصاب. لكن يبدو أنّ سكوت سيكون الأكثر صموداً، لأنّ حفلته لا تزال قائمة رسمياً، في الوقت الذي تواجه فيه الجهات المعنية ضغطاً جماهيرياً اضطرّها لإصدار بيانات متناقضة، في انتظار الرأي الحاسم من العنصر المسيطر، وهو جهات الأمن التي لم تحسم أمرها بعد على ما يبدو. اللافت أنّه رغم الهجوم الكبير على سكوت واتهامه بممارسة طقوس «شيطانية» على المسرح أدّت لوفاة عدد من الحاضرين قبل عامين في إحدى حفلاته الأميركية، حتى إنّه وصل إلى حد استخدام ذبذبات صوتية قويّة تهيّج الجهاز العصبي للموجودين، لكن شريحة كبيرة من الرأي العام تعارض الإلغاء وترفض تحميل سكوت ذنب الضحايا، مشددةً على أنّ المهم هو التنظيم و«عدم وجود خمور أو مخدّرات تؤدي إلى وصول الحضور لهذا المستوى من الانفلات السلوكي»، هذا إلى جانب «عدم تعرّض سمعة البلاد السياحية لانتقادات هي في غنى عنها، بسبب تكرار الإعلان عن الحفلات ثم إلغائها».