القاهرة | الصدمة التي خلّفها قرار «ساقية الصاوي» بمنع «حصاد 2012» بسبب ما حواه من رسوم ناقدة للرئيس المصري محمد مرسي، كانت كفيلة بكشف الخطر الذي يحدّق بحرية الإبداع، ليس من جانب السلطة فحسب، بل أيضاً من هؤلاء الذين عدّوا أنفسهم ممن يثقبون منافذ في جدار الديكتاتورية ليمر منها ضوء الحرية.
هؤلاء منعوا إقامة المعرض بدعوى أنّه ينتقد الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين، وفقاً لما قاله فنانون مُنعت أعمالهم. رسام الكاريكاتور محمد الصباغ قال: «طلبت مني الإدارة اختيار اللوحات التي لا تحمل نقداً للإخوان بطلب من الصاوي». غير أن الإدارة ردت ببيان ادعت فيه أنّ سبب المنع فني. طبعاً، لم يصدّق أحد تلك الحجة التي قابلها رد فعل قوي من الجبهات التي تدافع عن الحريات والإبداع.
«حصاد 2012» معرض سنوي تعرض فيه الرسومات التي نشرها الفنانون على مدار العام في الصحف، وهو بروتوكول بين «الجمعية المصرية للكاريكاتور» و«ساقية الصاوي». غير أنّ الأخيرة أخلّت بذلك البروتوكول، فأصدرت «جبهة الإبداع المصري» بياناً دعت فيه إلى مقاطعة «الساقية»، مضيفة أنّ من الخطير أن يقوم السياسي ورجل الأعمال محمد عبد المنعم الصاوي بحكم منصبه في المؤسسة بدور رقيب مانع في مؤسسة ثقافية. وأضاف البيان: «لا نرضى أن يتحكم محمد الصاوي رقابياً ليكون ملكياً أكثر من الملك بحكم مغازلته الواضحة لجماعة الإخوان». وطالبت الجبهة بتنظيم وقفة احتجاجية (أمس) أمام «الساقية» للتعبير عن رفض ممارسات «الساقية». موقف المنظمات المدافعة عن حرية الإبداع أزعج الصاوي، فطلب عقد اجتماع مع «جبهة الإبداع». وبالفعل، اجتمع معها وقرر التراجع عن موقفه. بعد ذلك، أعلنت «جبهة الإبداع» في بيان آخر أنّ «الساقية» ومديرها وافقا على عرض اللوحات الممنوعة، وهو ما حصل بالفعل أول من أمس، فألغت الجبهة وقفتها الاحتجاجية.
الرسمة لا تخيف إلا الضعفاء، هكذا تأكدت المقولة في واقعة «ساقية الصاوي». الغريب أنّ الحكومة لم تقدم هي على تلك الواقعة، بل قام بها شخص كان يشغل سابقاً منصب رئيس لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان، المسؤولة عن الدفاع عن الإبداع والقوانين التي من شأنها فتح الباب أمام حرية الرأي والتعبير. إنّه محمد الصاوي صاحب «ساقية الصاوي» التي كانت أحد منابر الإبداع والتنوير في النظام السابق. لكن يزول العجب عند العلم أن هذا الشخص هو من أصرّ على البقاء في الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور التي أثبتت للجميع أنها تعمل على تقييد الحريات وخنق الإبداع. الشخص كان وما زال يدافع عن الدستور الذي مُرِّر أخيراً، ويحكي بعض من تعاملوا معه أنّه كان يفرض رقابة سابقة على الأعمال التي يعرضها في «الساقية». والصاوي أيضاً هو صاحب المقولة التي سيسجلها التاريخ باعتبارها أكثر الجمل سخرية عندما قال بعد انسحاب ممثّلي الكنائس المصرية من الجمعية التأسيسية: «أنا ممثل الكنيسة في الجمعية» وخرجت الدعابة التي تقول: «محمد بيمثل الكنيسة في كتابة الدستور».