بلا شك، الاسم كبير. ورغم أنّه اسم عملاق، لا يقل تأثيراً عن مخرجين كبار كالإيطاليين بيار باولو بازوليني ولوكينو فيسكونتي، فإنّ مثليّته تختلف عن مثلية الأخيرين. أفاد بيدرو المودوفار (الصورة) من تطور معنى الحريّة في أوروبا، ملعبه الرئيسي، كما مرّن مشاهديه على القبول بهويّات الآخرين. كان بازوليني نموذجاً للمخرج السياسي، من دون أن يقلل هذا من أهمية أعماله، غير أن عبقريته بزغت من أسئلة حقبته. قلة هم الذين يعرفون أنّ بازوليني كان مثلياً.
لا لأنه لم يلمح كثيراً في أفلامه لذلك، كما فعل فسكونتي الذي استعان بممثلين مثليين، ولا لأنه من هواة النسق البطيء، والالتفاف على السائد من الداخل. بازوليني، تابع المعركة ضدّ الفاشية، والبورجوازية، والكنيسة، كاد أن يحارب العالم، من دون أن تكون الهويّة الجنسيّة عنصراً حاسماً في أفلامه. وفي هذا، يبدو المودوفار فريداً إلى درجة لا تحتمل. إنه يستكمل ما بدأه بازوليني وغيره، أو ما بدأته أوروبا: الإيغال في الفردانية. أحياناً، أفرط المعلم الاسباني في التركيز على الهويّة على نحو فاضت منه عاطفة زائدة، كما حدث في «تحدث إليها».
يصرّ المودوفار في أفلامه على أن يلعب دور الإطفائي الذي يستثمر القصص كي يخمد ذاكرة، ثم بالقصص ذاتها يشعل أخرى. وهذه لعبته المفضلة التي يتخللها تسجيل مواقف. ألم يختر الانتماء إلى عالم المرأة في شريط «العودة»؟
وفي مسألة الهويّة الجنسيّة تحديداً، طرح المودوفار أكثر من سؤال أربك الجميع.
أسئلة متصلة بالحداثة وفي قلب أوروبا تحديداً. في «الجلد الذي أسكنه»، فضّل أن يحافظ على صلابة الصورة، والتشويق بنسق متزن. كعادته، نصب الفخاخ، فلا يكاد المشاهد ينجو من أحد ألاعيبه الساحرة، حتى يصطاده سؤال آخر.
وربما، يلزم المشاهد العربي الذي خرج من تحفة «الجلد الذي أسكنه» (2011)، وقت للتصالح مع الفيلم. ربما يكون المشاهد العربي خارج العالم الذي يساجل فيه المودوفار فيه، أو منقطعاً عنه. ولذلك، بعد الشريط، قد يلزمه وقت لإعادة النظر واعداد نفسه للتصالح مع القضايا الكبرى التي يحفر الفيلم فيها كفرضيّة تأرجح الثأر بين الانتقام والرغبة، والعلاقة بين العلم والأخلاق، وعلاقة هذا كله بأزمة الهويّة الجنسيّة. وللمناسبة، المودوفار يميل في السرد إلى الحياد.
في «الجلد الذي أسكنه»، اختار اعادة الموتى بصورة رقيقة لمتحوّل جنسياً. واختار أن يكون المتحول نفسه مغتصب أطفال. إنه ضحية وجلاد في آن واحد. ضحية المجتمع وجلاده. ولكن، هذه هي الهويّة بالضبط، هويّة كل منّا.