الرباط | في إحدى الصالات السينمائية في الدار البيضاء، قدّم المخرج المغربي إسماعيل فروخي (1962) فيلمه الروائي الطويل «الرجال الأحرار» (2011) الذي ستنطلق عروضه بعد غد الأربعاء في الصالات المغربية. لفت هذا الشريط الأنظار في عدد من المهرجانات العالمية، وحصل على عدد مهم من الجوائز، من بينها جائزة أفضل فيلم أجنبي في «مهرجان سانتا باربرا» في الولايات المتحدة، وجائزة أفضل مخرج عربي في مهرجان أبو ظبي.
أدى بطولة الشريط الممثل الجزائري طاهر رحيم الذي يُعَدّ من الوجوه الصاعدة في السينما الفرنسية بعدما حصل على جائزة «سيزار» أفضل ممثل عن دوره في فيلم «نبي». قصة العمل مستوحاة من واقعة حقيقية تحكي قصة حماية اليهود من قبل المسلمين في المسجد الكبير في باريس عام 1942، أي خلال الحرب العالمية الثانية. يومها، كان النازيون قد وصلوا إلى فرنسا. ويؤدي طاهر رحيم دور مهاجر جزائري يُدعى يونس جاء إلى باريس حيث بدأ يكسب عيشه من بيع مواد استهلاكية في السوق السوداء. ستعتقل الشرطة يونس، وستشترط لقاء الإفراج عنه أن يتجسّس على إمام المسجد الكبير في باريس سي قدور بن غبريت «المشتبه» في مساعدته لليهود المنحدرين من شمال أفريقيا من خلال استصدار شهادات ولادة إسلامية تمكّن هؤلاء من الهرب من جحيم النازية. وفي المسجد، يلتقي يونس مغنياً من أصول جزائرية ليس سوى سليم هلالي (1920 ـــــ 2005) يعجب بصوته وشخصيته ويصبح بالتالي صديقاً مقرباً منه. هذا قبل أن يكتشف أن سليم يهودي، فيقرّر على أثره وقف تعاونه مع الشرطة وسيتحول بعدها إلى ناشط في مجال حقوق الإنسان قبل أن ينخرط في المقاومة الفرنسية، حيث سيشارك هذا العربي في النضال لإسقاط الاحتلال.
وحدها شخصية يونس كانت من وحي الخيال. أما بقية أحداث الفيلم الذي صُوِّر بين فرنسا والمغرب، فهي توثق لوقائع حدثت فعلاً. حتى شخصية يونس المتخيلة فقد حاول خلالها فروخي التوليف بين عدد من الشخصيات التي عاشت فعلاً في تلك الحقبة بعدما جمع عنها أكبر عدد من المعطيات. وإلى جانب المتألق طاهر رحيم، يؤدي كل من مايكل لوندال، ولبنى الزبال، ومحمود شلبي دور البطولة في الفيلم.
من خلال فيلم «الرجال الأحرار»، يواصل إسماعيل فروخي الاشتغال على ما يعرّفها بالقضايا المهمشة والمحجوبة، أو بالأحرى المسكوت عنه في تاريخ الهجرة المغاربية إلى فرنسا. وللتدقيق في المعطيات التاريخية الواردة في الفيلم، وتفادياً لأي خطأ، استعان فروخي بالمؤرخ بنجامين ستورا، أحد أبرز الاختصاصيين في التاريخ المغاربي المعاصر. راجع الأخير سيناريو الفيلم وصدق على صحّة المعلومات والحقائق التاريخية التي تضمنّها الشريط، رغم كونه فيلماً تخييلياً وليس وثائقياً.
يولي إسماعيل فروخي أهميةً كبيرةً للبحث قبل البدء بتصوير أعماله السينمائية، وخصوصاً أنه يتعامل في معظمها مع شخصيات حقيقية. هكذا، التقى على سبيل المثال ابنة وحفيدة مؤسس الجامع الكبير في باريس وصادق أشخاصاً عرفوا عن كثب الموسيقي اليهودي المغربي سليم هلالي الذي جسد دوره في الفيلم الممثل الفلسطيني محمود شلبي.