لم نعتد بعد «مهرجان الربيع» الذي تنطلق دورته الخامسة هذا المساء. حالما يُختتم «مهرجان البستان» الشتوي في كل سنة، نبدأ بترقّب إعلان برامج مهرجانات الصيف الدولية. ليس السبب طبعاً سوى أن هذا الموعد الربيعي الذي يقام كل سنتين، حديثٌ نسبياً مقارنةً بالتظاهرات الأخرى. لا بل إنّ فرادته وقيمته الفنية في الموسيقى وغيرها من الفنون، مِن شأنهما أن تؤمّنا تكريساً سريعاً له لو توافرت الدعاية الكافية.
المهرجان الذي تنظّمه مؤسسة «المورد الثقافي» (مصر) وجمعية «شمس» (لبنان)، ينطلق برنامجه هذه السنة في لبنان (بيروت وطرابلس) بدءاً من هذه الليلة في «بيت الفن» في طرابلس (الافتتاح مع عرض خيال ظل بعنوان «وحش القمامة» للتركي جنكيز أوزيك)، وفي مصر بدءاً من مساء الغد (القاهرة، الاسكندرية، أسيوط والمنيا ـــ راجع المقال أدناه).
هكذا، سيكون لمحبي الموسيقى والغناء والمسرح والعروض الراقصة أكثر من لقاء مشوّق. الأهم هو أنّ معظم هذه اللقاءات، وخصوصاً في الجانب الموسيقي منها، يقع تحت خانة الاكتشافات الجميلة حتى بالنسبة إلى الجمهور المتطلّب. في الواقع، عودّنا المنظمون منذ البداية سياسة معاكسة لمنطق البحث عن الأسماء المروَّج لها في السوق، ويؤمِّن حضورها نجاحاً جماهيرياً مكفولاً.
طبعاً ثمة أسماء معروفة نسبياً دعاها المنظمون في السنوات الأخيرة (عليم قاسيموف، إيفا بيتوفا، خالد جبران، كايهان كالهور،...). لكنها مع ذلك تبقى مألوفة فقط بالنسبة إلى الجادّين في بحثهم الموسيقي. أما الباقي، فيوحي للمتلقّي بعملية تنقيب عميقة يقوم بها القيّمون على المهرجان، وعلى نحو خاص في الجانب المتعلق بموسيقى الشعوب. ينطبق هذا الوصف العام على كل الدورات، ومنها الدورة الحالية، التي تنفتح على مروحة واسعة من الفنون، بدءاً من العروض الراقصة، والمسرحيات، والغناء وصولاً إلى الموسيقى التي تمثّل الجزء الأكبر من النسخة البيروتية. علماً أنّ التظاهرة تضرب لنا مواعيد مهمة في الفنون المشهدية، أوّلها عرض «يحيى يعيش» للفاضل الجعايبي، وعرض راقص مع فرقة Dance Brigade الأميركية، إضافة إلى «تجوال» لألكسندر بوليكيفيتش (راجع الصفحة المقابلة).
يمكن التأكيد على أنّ هوية البرنامج الموسيقي في هذه الدورة، أتت مطابقة إلى حدٍّ كبير لما شهدناه في السابق، ويمكن تظهيرها على النحو الآتي: تركيز على الأسماء المغمورة عموماً، بينما معظم التجارب التي يقدّمها البرنامج جديرة بالاهتمام (باستثناء الافتتاح المتعثِّر مع الأسف). وكالعادة، يواصل المهرجان التعويل على موسيقى الشعوب في الدرجة الأولى، مع اهتمام خاص بموسيقى بلدان آسيا الوسطى (أوزبكستان، أذربيجان، طاجكستان، تركمانستان، أفغانستان،...). وهنا نشير إلى أهمية مقاربة المهرجان لموسيقى الشعوب على نحو «صحي» إذا أمكن الوصف. أي، قلّما تبنّى الأسماء التي استوردها الغرب وأعاد تعليبها وتسويقها (بعد تشويهها أحياناً) بأسعار مرتفعة تضمن استرجاع نفقاته. هذه الأسماء كثيرة، وهي ليست بالضرورة رديئة، لكن معظمها فقدَ شيئاً جميلاً ما، لا اسم له في القاموس. أخيراً، يرصد المنظمون أيضاً تجارب أوروبية معاصرة وأخرى عربية أو إقليمية شبابية، لتطعيم البرنامج بنكهة مقابلة للموسيقى التقليدية والتراثية.

إذاً، البرنامج الموسيقي ينطلق مساء الأحد من مسرح «دوّار الشمس» (الطيونة ـ بيروت) مع «المجموعة التركية الكلاسيكية» بقيادة عازف الكمان نديم نالبنتوغلو (1966) ضمن أمسية تحمل عنوان «قهوة تركي». نأسف للقول إنّ هذه الفرقة لا تليق بافتتاح «مهرجان الربيع»، ولا حتى بأن تقحَم بين الأسماء الأخرى. ما يقدّمه الموسيقي التركي المعروف وزملاؤه هو مقاربة لكلاسيكيات شرقية بأسلوب تجاري معاصر وقالب استعراضي يعتمد على الإبهار التقني الجاف (على طريقة اللبناني جهاد عقل). لهذا اللون «الخفيف» جمهوره، لكن لا يجوز أن تتردّد أنغامه حيث صدح عليم قاسيموف بصوته النقي قبل أربع سنوات. في 26 نيسان (أبريل) الحالي، سنكتشف الفن التقليدي الآتي من تراث جزر الزنجبار الأفريقية، بين طرب وعزف ورقص، مع The Tausi Women’s Taarab Orchestra. يليها في 28 منه، موعدٌ يهم الشباب، مع «حاجز 303» (فلسطين/ تونس)، وهو اسم مشروع موسيقي غنائي معروف نسبياً، مناهض في الدرجة الأولى للاحتلال الإسرائيلي، ويستمدّ خطه النضالي من يوميات/ معاناة شعوب بلدان الشرق الأوسط. النمط الفني يعتمد على الموسيقى الإلكترونية (بالإضافة إلى عود). أما التوجّه، فمينيمالي نصاً وموسيقى، مع لجوء إلى أصوات من الواقع. أما المحطة التقليدية الآسيوية، فمع موسيقيين من طاجكستان وأوزبكستان، يقدّمون أمسية بعنوان «الوجه المخفي للمحبوب» في 30 نيسان.
بعد الموسيقى التراثية، يصل البرنامج في الثالث من أيار (مايو) إلى الموسيقى الأوروبية المعاصرة مع فرقة Zapp4. إنه رباعي وتريات هولندي جديد نسبياً، يعتمد الشكل الكلاسيكي في تركيبته (تشيلو، آلتو، وآلتا كمان)، لكنه يقدّم النمط المعاصر والحديث مع هامش ارتجال، ويشمل ريبرتواره الجاز والروك والموسيقى الكلاسيكية. محبو «رباعي كرونوس» الأسطوري سيستمتعون بالتأكيد بهذه الأمسية، على الرغم من بعض الاختلافات بين الفرقتيْن. وفي ختام المهرجان، موعدٌ استثنائي يطاول الجمهور المحافظ والشاب على حدٍّ سواء، مع فرقة «عجم» (10/5) الإيرانية المؤلفة من أربعة أعضاء مقيمين في لندن. في أعمال الفرقة يحضر جنباً إلى جنب الغناء الإيراني/ الكردي التقليدي (المقامات وأسلوب الأداء) والأداء الملامس للهيب ـــ هوب، فيما تبقى المرافقة الموسيقية في دائرة الأصول الإيرانية عموماً.



* «مهرجان الربيع»: من 19 نيسان (أبريل) حتى 15 أيار (مايو) ـــــ «مسرح دوّار الشمس» (الطيونة) ــ للاستعلام: 01/381290
* من 20 نيسان حتى 16 أيار ــ القاهرة، الاسكندرية، أسيوط والمنيا ــــ 0223625057
www.mawred.org