الدار البيضاء | أسبوع حافل بالجدل والتصريحات النارية شهدته الساحة الإعلامية المغربية. الزوابع التي أحدثتها «دفاتر تحمّلات القنوات العمومية» (قانون ملزم) التي أقرها وزير الإعلام والاتصال الإسلامي مصطفى الخلفي شملت قيوداً وإجراءات كثيرة تُلزم المحطّات الرسمية بالامتناع عن بثّ دعايات المراهنات واليانصيب، وفرض نقل أذان الصلاة، وتعريب البرامج.
هكذا، يبدو أنّ وزير الإعلام ينوي إضفاء لمسة دينية على المحطات الرسمية. وقد أصبحت القناة الثانية «دوزيم» وإذاعتها «راديو دوزيم» مُلزمتين ببث أذان الصلوات الخمس يومياً، ووقائع صلاة الجمعة وصلاة العيدين. ونصّت المادة التاسعة على أنّه يتعين على القناة الثانية اعتماد «برمجة تعكس تنوّع مقومات وروافد الهوية المغربية، وتجلياتها الثقافية واللغوية والفكرية والاجتماعية، وتسهم عبر مختلف برامجها في إبرازها وإغنائها». فيما نصت المادة 49 على «منع بث الوصلات الإشهارية الخاصة بألعاب الحظ والرهان واليانصيب والعلاقات الحميمة والأبراج والسحر والشعوذة أو التي تعرّض السلامة الذهنية والجسمية والأخلاقية للأطفال والمراهقين للخطر». وألزم الدفتر القناة الثانية بتخصيص 50 في المئة من البرامج للغة العربية و30 للغة الأمازيغية. بعد إقرار القانون، اشتعلت الساحة الإعلامية في المملكة. انتقد صلاح الدين مزوار رئيس «حزب التجمع الوطني للأحرار» الذي يمثل المعارضة البرلمانية ما حواه دفتر التحملات واعتبره مناقضاً لروح الدستور، خصوصاً في الجوانب المتعلقة بحرية الفكر والتعددية. كذلك اعتبر مزوار أنّ هدف «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي الذي يقود الائتلاف الحكومي حالياً هو وضع التلفزة المغربية في قالب محدود وإقصاء باقي مكونات المجتمع التي تخالفه الرأي. من جهة ثانية، هاجم الوزير السابق رضا الشامي مواد الدفتر التي تهمّش اللغات الأجنبية، قائلاً إنّ «المغرب لن يتطور ما لم ينفتح على اللغات الأخرى» داعياً إلى منح التلفزيونات العمومية هامشاً من الاستقلالية عن
الحكومة.
إضافة إلى الجدل الذي أشعله دفتر التحمّلات في صفوف الرأي العام، خرج عدد من قيادات القنوات الرسمية لشنّ هجوم على وزير الإعلام. لكنّ الأمر بدا كأنه خرجات إعلامية منظمة، خصوصاً أنّ المسؤولين الإعلاميين المذكورين معروفون بقربهم من
القصر.
مدير القناة الثانية «دوزيم» سليم الشيخ أطلّ في أكثر من منبر ليعلن أنّ وزير الإعلام تصرّف تلقائياً ولم يشرك أصحاب الاختصاص ومسؤولي القنوات في النقاشات التي سبقت المسودة النهائية للقانون، مضيفاً أنّ المضامين الجديدة ستغيّر هوية القناة الثانية وستلغي مكاسب 23 سنة من العمل. وفي السياق ذاته، أضاف: «دفتر التحملات الجديد يفرض تغييراً جوهرياً للنموذج الاقتصادي للقناة من دون الأخذ في الاعتبار انعكاسات هذا التحول على نسبة المشاهدة أو مداخيل القناة. وهنا أقول إنّ هناك خطراً في هذه المنهجية، فقد لعبت قناتنا دوراً في التأسيس لنموذج مجتمعي وفيّ لأصالته؛ لكنّه أيضاً مجتمع متسامح ومنفتح، وكان هناك توازن في برامجها بين وظيفة الترفيه والأخبار التربوية والثقافية للجميع». أما الرئيس المدير العام لـ«الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون» فيصل العريشي، فقد أكّد أن لا تراجع عن حرية الإعلامي الرسمي مهما كان
الثمن.
من جهتهم، اتّهم أنصار «حزب العدالة والتنمية» مَن وصفوهم بـ«لوبي متكون من العلمانيين الفرنكفونيين أو حزب فرنسا» بمحاولة عرقلة مسلسل الإصلاح الذي بدأه الوزير الإسلامي لأنه يهدد مصالحهم الشخصية في هذه القنوات.