الرباط | كل عام يخسر المغرب من مكانته في التقارير الدولية التي تعنى بحرية الصحافة، ويتقهقر درجات إلى الوراء. في تقريرها الأخير الذي صدر منذ أيام، وصفت Freedom House المغرب بـ«البلد غير الحر» في مجال الصحافة، بينما تقهقرت المملكة ثلاث مراتب في تصنيف «مراسلون بلا حدود». وبهذا، فقدت البلاد ثقة الأوساط الدولية في ما خصّ حرية الإعلام. أبرز القضايا التي شهدتها الصحافة في المغرب هي قضية رشيد نيني، مدير جريدة «المساء» السابق، والقلم الأكثر شعبية بين قرّاء الصحافة المكتوبة في المغرب. الصحافي المشاكس خرج قبل أيام من السجن بعدما أمضى عقوبة بالحبس لسنة كاملة بتهمة «التشكيك في عمل السلطات الأمنية». لكنّ نيني كان ضحية صراعات الأجهزة الأمنية، ومحاكمته سياسية بامتياز، خصوصاً أنّه قضى سنة كاملة وراء القضبان في سابقة هي الأولى من نوعها في المغرب. فكل الصحافيين كانوا يحاكمون لكنّهم يخرجون قبل إنهاء المحكومية بعفو ملكي.
في المقابل، شهد فضاء الإنترنت تقييداً جديداً لحرية التعبير. خلال السنة الأخيرة، عرفت المملكة محاكمتين قاسيتين لشابين هما وليد بحمان (18 سنة) الذي اتهم بنشر مقاطع فيديو على الشبكات الاجتماعية «تمس بشخص الملك»، وحوكم بسجنه سنة، بينما أدين عبد السلام هيدور بسجنه ثلاث سنوات، بعدما ظهر في تسجيل على يوتيوب ينتقد الملك. وفي هذه الفترة بالضبط، هددت الحكومة الجرائد الإلكترونية التي نشرت أخباراً عن الانفلات الأمني الذي شهدته منطقة تازة.
التحولات التي شهدها المغرب في السنة الأخيرة ترتبط بالحراك الاجتماعي، وتحديداً حركة «20 فبراير». خروج الحركة الشابة إلى الشوارع أحدث زلزالاً حرّك الصحافة المكتوبة، ودفع الإعلام الجديد إلى التحرّر في مقاربة الأحداث. لكنّها حرية أشبه بغيمة صيف، فسرعان ما جرى الالتفاف على هذه المكاسب الصغيرة. في المقابل، عدّل المغرب دستوره نتيجة هذا الضغط، وكانت النتيجة تضمّن الدستور عبارات صريحة تدل على حرية الصحافة في فصله الـ28 الذي جاء فيه «حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء». لكنها حرية قد يقيدها تأسيس «المجلس الأعلى للصحافة» الذي تعدّ له الدولة إلى جانب مالكي الجرائد، وبعض النقابات. في الظاهر، سيعمل المجلس على تقنين عمل الصحافي في المغرب، ويهيّئ المناخ الإيجابي لتطوير عمل الصحافيين ولأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. لكن بعض ما سُرِّب عن المجلس لا ينبئ بالخير. حسب التسريبات، سيملك المجلس «حق منع الصحافيين من مزاولة المهنة في حال ارتكابهم أخطاءً مهنية». «الأخطاء» حسب بعض الصحافيين قد تكون حصان طروادة الذي يعاقب به الصحافيون المشاغبون.