تبدو قناة «فوكس نيوز» حتى الآن «الابن الصالح» في إمبراطورية روبرت موردوخ التي أبقت شركة «نيوز كوربوريشن» صامدة في وجه الزلزال الذي ضربها أخيراً. هنا، لا فضائح تجسسية في عمل القناة الأميركية ولا رشى لسياسيين، ولا قضايا رفعت على مراسليها ورؤسائها أخيراً في ظل الفضائح والملاحقات القضائية التي طاولت صحيفة «نيوز أوف زي وورلد» البريطانية التابعة للمؤسسة الأم نفسها والمالك نفسه. بل على العكس، قد تدرّ «فوكس نيوز» هذا العام أيضاً، أرباحاً طائلة لمؤسسها ومالكها موردوخ؛ لأنها لا تزال من بين المحطات الأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة الأميركية.
لكن حتى لو نجت «فوكس» من الكارثة المادية والقضائية التي تلاحق موردوخ، فإنّها لم تنج من الانتقادات الدائمة حول أدائها الاعلامي في الداخل الأميركي الذي يروّج للسياسات المحافظة والأفكار اليمينية المتطرفة. «فوكس» شكّلت منذ أيام مادة جدل صحافي أميركي بين مؤيد لأدائها ومعارض له. لكن هذه المرة، اتسم الهجوم بالحدّة وانتشرت أصداؤه في الأوساط الإعلامية الأميركية، وخصوصاً أن من قاده هو مدير التحرير السابق لصحيفة «نيويورك تايمز» المعلّق بيل كيلير. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ ثأراً ما زال قائماً بين ناشر الـ«تايمز» آرثر سالزبرغر وموردوخ على خلفية أزمة استعرت بينهما منذ عامين، جاءت بسبب رفض الناشر الأميركي بيع حصّة من صحيفته للحوت الأوسترالي في عزّ تخبّطها في أزمة مالية.
ومقابل هجوم معلّق الـ«تايمز»، ردّ كاتب من مجلة «ذي كومنتري» المحافظة، فدافع عن «فوكس» وكال الاتهامات المضادة لـ«نيويورك تايمز». وبعدما نبش كل طرف من أطراف النقاش أدلّة تدين أسس العمل الصحافي عند الآخر، تبيّن مرة جديدة أن معظم من يدّعي الموضوعية والحيادية في عمله و«رسالته»، ضمن المشهد الإعلامي الأميركي، هو بعيد كل البعد عن تطبيقها في أدائه اليومي.
«سُمّ أميركا»، بهذه الكلمة وصف كيلير في مقال «ذي نيويورك تايمز» قناة «فوكس نيوز». بنظر الكاتب، لا تستحق «فوكس» أن تُعَدّ جزءاً من «الإعلام السائد»؛ فهي «لا تنتهج أياً من المبادئ والقوانين والسلوك المهني الذي تلتزمه باقي المؤسسات الإعلامية». وشرح كيلير أنّ «تلك القوانين تملي على الصحافيين وضع اصطفافاتهم الشخصية جانباً... وعندما نخطئ نعترف بالخطأ ونصححه (...) لكن «فوكس» لا تعمل وفق تلك القوانين». ويدلّ على ذلك بمجموعة من الأمثلة التي تثبت نظريته، حتى إنّه شكك في «اقتناع العاملين في «فوكس» بمدى توازن عملهم ونظافته».
مقال كيلير أثار غضب جوناثان س. توبين في مجلة «ذي كومنتري» المحافظة. هكذا، ردّ توبين بأنّ «ادعاء مؤسسات الإعلام أنّها عادلة في عملها هو الذي يسمّم فعلياً الصحافة الأميركية». وفي مواجهة تهم الانحياز وغياب الصدقية التي توجّهها «تايمز» إلى قناة «فوكس»، دافع توبين عن المحطة الغالية على قلبه باتهام الصحيفة الأميركية الشهيرة بـ«انحيازها المتطرف للافكار الليبيرالية ومعاداتها لكل من يخالفها الرأي». وانتقد توبين هجوم كيلير على «أسهل هدف في العالم حالياً»، أي روبرت موردوخ. وأورد الكاتب بعض الأمثلة أيضاً، مبيّناً أن كاتب الـ«تايمز» نفسه وصحيفته «لا يلتزمان المبادئ الصحافية ويتماشيان مع الأهواء السياسية في البلد». أما إيريك وامبل في «ذي واشنطن بوست»، فرأى أنّ «نيويورك تايمز» و«فوكس نيوز» «شريكان في نقل بعض الأخبار والترويج لها في الفترة الاخيرة»، حتى إنّ الكاتب دعا إلى «عدم الفصل بين المؤسستين»!