كان | يدخل «مهرجان كان» اليوم أسبوعه الثاني، لتبدأ معركة التكهنات التي تحتدم عند منتصف السباق نحو السعفة الذهبية. ولعل أهم ما ميز أفلام الأسبوع الأول من الدورة 65 هيمنة أميركية لافتة ألقت بظلالها على الكروازيت سواء على صعيد البساط الأحمر، أو في عروض البرنامج. بعد فيلم الافتتاح «مملكة طلوع القمر» لويس أندرسون، ترجم الإنزال الهوليودي القوي في تشكيلة هذه الدورة بفيلم ثان هو Lawless لجون هيلكوت الذي تتقاسم بطولته كوكبة من نجوم الجيل الجديد في هوليوود.
في هذا العمل، يوجه السينمائي الاسترالي المشاكس الذي أبهر الكروازيت عام ٢٠٠٩ بفيلمه «الطريق»، تحية الى أفلام الويسترن الستينية (المدرسة الايطالية) عبر قصة تدور في الريف الأميركي خلال فترة حظر الكحول في الثلاثينيات. وغير بعيد عن مدرسة الويسترن الايطالية، احتفى المهرجان، ضمن برنامج «كلاسيكيات كان»، بالسينمائي الكبير سيرجيو ليوني (١٩٢٩ ــ ١٩٨٩) عبر عرض خاصة لنسخة مرممة رقمياً من رائعته «حدث ذات مرة في أميركا» التي عرضت على الكروازيت (خارج المسابقة) عام ١٩٨٤. ويرتقب أن يتواصل الحضور الأميركي غداً عبر عرض فيلم أندرو دومينيك «اقتلوهم برفق» الذي يؤدي بطولته براد بيت ورفيقة دربه أنجلينا جولي. الى جانب هذا الإنزال الهوليودي، اتسمت عروض الاسبوع الأول من هذه الدورة بهيمنة شبه كاملة للسينمائيين المكرسين، وفي مقدمتهم الفرنسي جاك اوديار، والروماني كريستيان مونجيو، والإيطالي ماتيو غاروني.
أوديار الذي بهر الكروازيت قبل ثلاثة أعوام برائعته «نبي»، عاد هذه السنة بفيلم إنساني مؤثر بعنوان «عن الصدأ والعظام» يروي قصة حب إشكالية بين مهاجر عربي فقير يدعى علي (ماثياس شونارتس) وحسناء فرنسية تُدعى ستيفاني (ماريون كوتيار) يتعرفان إلى بعضهما في ملهى ليلي، وتتوثّق العلاقة بينهما رغم تعرض ستيفاني لحادث أدى الى بتر رجليها. وحظي الفيلم بحفاوة إعلامية، لتشابه قصته مع Intouchables فيلم الموسم في فرنسا بلا منازع. لكن أوديار استطاع مراوغة جمهوره، كالعادة. جاء فيلمه أبعد ما يكون عن الميلودراما الانسانية. من خلال هذه القصة، استعاد تيمته الأثيرة، راصداً كيف تسهم الاعاقة ــ جسدية كانت أو نفسية أو اجتماعية ـ في تشابك وانصهار مسارات ومصائر شخصيات تبدو في البداية متنافرة.
أما كريستيان مونجيو الذي يدين له «كان» بواحدة من الروائع الاكثر تأثيراً في جمهور الكروازيت («٤ أشهر، ٣ أسابيع ويومان» ــ السعفة الذهبية ٢٠٠٧)، فعاد بجديده «ما وراء الهضاب» الذي يروي قصة ألينا التي تقع في حب صديقتها فواتشيتا، ويدفعها الإحساس بالذنب الى الالتحاق بالكنيسة علها تجد في عزلة الأديرة عزاءً من عذابها النفسي بسبب هذا الحب المثلي الذي يتنافى مع معتقداتها الدينية. لكن تمزقها النفسي يؤدي بها الى حالات صرع غامضة تنتهي بوفاتها، وسط لا مبالاة القائمين على الدير الذين يعتقدون أنّ روحاً شيطانية قد تقمصتها.
من جهته، عاد الايطالي ماتيو غاروني الى الكروازيت بعد أربعة أعوام على «غومورا» (الجائزة الكبرى في «كان» ــ ٢٠٠٨) الذي أدى الى الحكم بالإعدام على المخرج من قبل شبكات المافيا في نابولي. في جديده «واقع»، يعود غاروني الى مسقط رأسه رغم التهديدات، لتصوير كوميديا اجتماعية يوجه من خلالها تحية الى سينما الستينيات الواقعية الايطالية، عبر شخصية فاقعة، هي لوتشيانو بائع السمك الذي يحلم بأن يصبح نجماً كوميدياً. لكنه لا يجد جمهوراً لنكاته وأكاذيبه المحببة سوى زبائن متجره وعائلة الكبيرة.
أما المفاجآت السارة القليلة خلال عروض الاسبوع الأول، فقد جاءت من تظاهرة «نظرة ما» من خلال عملين بهرا الجمهور والنقاد. الأول «تلميذ» الذي يحمل توقيع الكازاخستاني داريجان أوميرباييف والمستوحى من «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي، والثاني هو باكورة براندون كروننبرغ (نجل السينمائي الكبير ديفيد كروننبرغ) بعنوان antiviral. غرف المخرج الكندي الشاب من عوالم والده القلقة المشوقة بالصخب والعنف، لكنه استطاع أن يبرهن عن رؤية إخراجية مغايرة. قصة الفيلم من نوع الخيال المستقبلية، تتناول ظاهرة ولع الناس بالنجوم والمشاهير، بوصفهم «آلهة عصرية لعصر بلا دين». يصل الأمر ببعض المختبرات الصدلانية إلى حد اطلاق حملات لتشجيع الناس على حقن أنفسهم بفيروسات سبق أن أصابت نجومهم المفضلين. المنحى العنيف والدموي لأجواء الفيلم تذكر بأعمال كروننبرغ الأب، لكن الابن استطاع أن ينتزع عواصف من التصفيق بفعل الاسلوب المينيمالي والرؤيا الإخراجية المحكمة. باكورته كانت الأكثر استقطاباً للأضواء من بين الأعمال التي تنافس على الكاميرا الذهبية (الجائزة التي تكافئ الاعمال الأولى) خلال عروض الأسبوع الأول من هذه الدورة.






الجهاديون هنا

بعد فيلم يسري نصر الله «بعد الموقعة» الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية في اليوم الأول من المهرجان (الأخبار ــ ١٨/5/2012)، كان جمهور الكروازيت على موعد مع فيلمين عربيين عرضا أول من أمس بالتزامن، أحدهما في «نظرة ما»، وهو «خيول الجنة» للمغربي نبيل عيوش، والثاني عُرض في «أسبوعي المخرجين» وحمل عنوان «التائب» للجزائري مرزاق علواش. كعادته، سعى صاحب «عمر قتلاتو» إلى السير عكس التيار، مسلطاً الضوء على مفارقات «قانون الوئام المدني الجزائري» الذي منح الحصانة للتائبين من أفراد الجماعات الجهادية المسلحة. أما نبيل عيوش فقد استعاد تيمته الأثيرة: الطفولة المشردة من خلال قصة مستوحاة من حادثة واقعية تتمثل في تجنيد الجماعات الجهادية المغربية لعدد من أطفال الشوارع بغية تحويلهم الى انتحاريين خلال تفجيرات مراكش التي تم تنفيذها في قلب ساحة «جامع الفنا» في مثل هذا الوقت من العام الماضي.