ثلاثون هكتاراً من مساحات خضراء مزهوّة بأشجار الصنوبر العالية تشكّل «حرش بيروت»، المكان الذي يجمع لبنان بكل تكاوينه بدءاً من محاذاته لمنطقة قصقص غرباً، وللجهة الشمالية الشرقية للسفارة الفرنسية، فيما تقع ضاحية بيروت الجنوبية في جنوبه الشرقي.
بدأ الحديث عن تنظيم هذا «الحرش» في عام 1968 إلى أن وقعت الحرب الأهلية في السبعينيات، ليأتي بعد ذلك الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة عام 1982 ويقضي عليه بنحو كامل حرقاً. في مبادرة من «ايل دو فرنس» عام 1991، قامت هذه المنطقة ـــ بالتعاون مع «مجلس الإنماء والإعمار» ـــ بإدارة «حرش بيروت» حصرياً لغاية اليوم. وفي عام 1995، جاء القرار الذي قضى بإقفال الحرج ووضعت شروط محددة لدخول اللبنانيين إليه تكاد تلامس السوريالية. مثلاً، ينبغي للزائر أن يتجاوز الـ 45 عاماً، وأن يكون من «نخبة المجتمع» أو من الجاليات الأجنبية كي يتمكّن من دخوله! هكذا سدّت المساحة الخضراء الشاسعة التي تمتد لآلاف الأمتار في وجه اللبنانيين، وبُنيت كل حجج الإقفال على نظرية أنّ المواطنين «فوضويون وغير مدنيين وحضاريين وسيعيثون خراباً في الحرج في حال افتتاحه».
هواجس ومخاوف تذرعت بها بلدية بيروت التي يقع الحرج ضمن نطاق صلاحياتها، مع العلم أنّ منطقة «ايل دو فرنس» وقّعت اتفاق شراكة مع البلدية عام 1999 ودخلت بموجبه كفاعل أساسي وناشط بعدما كانت قبل 8 سنوات وصيّاً حصرياً يرعى مساحة أشجار الصنوبر. وها هي البلدية تسلّم أخيراً منطقة «إيل دو فرانس» مشروع إعادة هيكلة البنى التحتية لتنظيم المساحات الخضراء والتنقل داخله للتخفيف من فوضى السير والكثافة السكانية في الخارج من خلال تخصيص مساحات للدراجات الهوائية وللباعة ولوسائل النقل الخاصة بالأحراج. اللافت في كل هذه القصة أنّ «ايل دو فرنس» موّلت الحرج مرتين في سبيل إعادة تنظيمه لوجستياً للرواد بمبلغ وصل إلى 6 ملايين يورو، من بينها مليون ونصف مليون مخصّص لإعادة تأهيله من جديد.
في الجهة المقابلة، كانت جمعية «نحن» أول المتصدين لقرار إقفال «حرش بيروت» أمام العامة. هذه الجمعية تأسست عام 2009 كمعنية أساسية بالشباب من خلال توفير مساحات عامة للقاء في ما بينهم وللتعبير عن هواجسهم والمطالبة بحقوقهم عبر العمل على ثلاثة محاور: تنمية قدراتهم على التواصل، والتثاقف مع الشعوب الأخرى، والمحور الثالث والأهم يتمثل في المطالبة والدفاع عن الحقوق المكتسبة في إعادة افتتاح «حرش بيروت». في أيلول (سبتمبر) 2010، أجرت الجمعية دراسة قانونية عن الحرج، خلصت إلى اعتبار هذه المساحة عامة وملكاً لبلدية بيروت ويحق للجميع استغلالها. وبذلك تكون حقاً لجميع الناس. كذلك أشارت في دراسات أخرى اجتماعية صحية ونفسية إلى أنّ هذه المساحة الخضراء تحتلّ سلّم الأولوية من حيث خلقها لفسحة للتلاقي وتخفيف المشاكل والآفات الاجتماعية وفق معايير «منظمة الصحة العالمية» التي توجب إيجاد مساحة خضراء تمتد على 12 متراً لكل فرد (بخلاف ما نجده في بيروت، حيث أضحى لكل فرد فيها 8 أمتار فقط).
الجمعية لم تكتف بهاتين الدراستين، بل عمدت إلى إجراء دراسة لوجستية للمكان في نيسان (أبريل) 2012 بهدف دحض مخاوف البلدية التي أبدت خشيتها من إحداث فوضى في الحرج، بالإضافة إلى غياب الحماية والمستلزمات الضرورية هناك. خلصت هذه الدراسة التي قام بها عدد من المتطوعين والتلامذة إلى وضع تصوّر لكيفية حماية هذه المساحة مع ضرورة تعزيز الزيارات والخدمات وإنزال العقوبات بالمخالفين والمخرّبين. مع ذلك، لم تول البلدية أي اهتمام للدراسة. اليوم، تواصل جمعية «نحن» حملتها والضغط لتحقيق هدفها. وستقوم اليوم بحملة أخرى لتوقيع عرائض في مختلف مناطق بيروت (الحمرا، عين المريسة، الجميزة، الروشة، ساحة ساسين) بالتعاون مع 14 جمعية بيئية وشبابية للمطالبة بإعادة فتح الحرج أمام الناس تزامناً مع «مهرجان حرش بيروت» الذي ينطلق غداً الخميس.