«إن مرّت الأيّام ولم تروني فهذه صفحتي... تذكروني، وإن غبت ولم تجدوني أكون وقتها في حاجة إلى الدعاء...» هذه العبارة التي تستقبلك عند دخول صفحة «تونس» على «فايسبوك»، قد تكون الأكثر تعبيراً عن طريقة تعاطي السلطة مع ما يجري في بلد الطاهر الحداد. منذ انطلاق الانتفاضة الأخيرة من منطقة سيدي بوزيد، تحوّل الموقع الاجتماعي الأشهر في العالم إلى قبلة الشباب التونسي: نشروا الصور، والأشرطة والمقابلات، وكشفوا عن دموية السلطة في التعاطي مع احتجاجاتهم
، كما صوّروا بطريقة مباشرة عملية قتل الشرطة للمتظاهرين في منطقتَي تالة والقصرين. وفي غضون أيام قليلة فقط، تمكّنت هذه المجموعة من استقطاب أكثر من 300 ألف عضو، من داخل تونس وخارجها، وهو ما يشير إلى الدور البارز الذي يؤديه الإنترنت في مواكبة كل التطوّرات.
وإن كانت الشبكة العنكبوتية عاجزة عن نقل نبض الشارع الحقيقي في معظم الأوقات، فإنّ المجموعات التونسية التي انتشرت أخيراً تمكّنت حتماً من تصوير حجم المأساة في هذا البلد العربي. هكذا تحوّل كل عضو على «فايسبوك» إلى مراسل صحافي، ينقل الأحداث من الولاية والمدينة التي يسكن فيها، على شكل أخبار عاجلة مرفقة بالصور. كذلك فتح الموقع مواضيع نقاش محرّمة في الإعلام التونسي، مثل ضرورة تنحّي الرئيس زين العابدين بن علي عن الرئاسة، وأهمية إحداث «انقلاب أسود» على السلطة «والفاسدين والمفسدين المتغلغلين فيها، وعلى رأسهم عائلة طرابلسي (عائلة زوجة الرئيس ليلى)». كذلك انتقد عدد كبير من الأعضاء غياب «قسم من المعارضين والحقوقيين التونسيين الذين يصرخون ويتَحَدَّون أيام السلم، لكن عندما تندلع المواجهات يفضلون الصمت خوفاً على رقابهم».
وتحسّباً لكل عمليات الحجب (البديهية)، قام المشرفون على «الغروبات» بإنشاء مواقع بديلة تمكِّن المتصفحين من الدخول إليها إذا عجزوا عن ذلك من خلال «فايسبوك»، كما هي الحال مع مجموعة tunisie التي تضمّ أكثر من 500 ألف عضو.
ولا شكّ في أنّ النجم التونسي في الأيام الأخيرة كان «الجنرال»، أو مغني الراب حمادة بن عمر، الذي اعتقلته السلطات التونسية، ثمّ أفرجت عنه يوم أمس، مع عدد من المدوّنين. هكذا انطلقت على الشبكة حملات التضامن مع «الجنرال»، ما أثار الإعلام الغربي، الذي أضاء على الموضوع، «وهو ربما ما جعل السلطات تفرج عنه» يقول شخص يسمّي نفسه «حرية تونس»، لكنّ الاهتمام الغربي بالحريات في تونس لم يعجب كثيرين. هكذا انتقد البعض سكوت الحكومات الغربية، وخصوصاً فرنسا، عن كل الانتهاكات التي كان الشعب التونسي يتعرّض لها «لكن عندما رأوا دماءنا تسيل في الشوارع، قرروا التحرّك لتبرئة ضميرهم».
ومن تونس إلى الجزائر، استمرّ «فايسبوك» بأداء دور الإعلام البديل الحقيقي. هنا أيضاً شاهدنا صوراً من الاحتجاجات، وأخباراً عاجلة، وأشرطة فيديو تصوّر تشييع الشهداء الذين سقطوا. وبدا تعاطي الجزائريين مع الانتفاضة التي انطلقت في شوارعهم أكثر عنفاً مما حصل في المجموعات التونسية. دعا قسم من الأعضاء في مجموعة «الجزائر» إلى تحطيم كل الممتلكات العامة، وحرقها «نحن من دفع ثمن هذه المباني، ونحن من يدمّرها» يقول «ثائر غاضب» كما يسمي نفسه.
أما اللافت، فكان دخول بعض الأعضاء المصريين على المجموعات الجزائرية للتأكيد على «التضامن مع الإخوة في الجزائر ضدّ القمع والغلاء والتهميش الذي يتعرّضون له»، لكن ذلك لم يمنع أحد الأعضاء الذي يسمّي نفسه «الفرعون» من الشماتة بالجزائريين «كل اللي بيحصل عندكو نتيجة ارتهانكم للغرب، ربّنا يعرف شغلو... الجزائر مش بلد عربي، خلي فرنسا تنفعكو»!
وكما هي الحال دوماً، فإن الحراك الاجتماعي لا يقتصر على «فايسبوك» بل يتجاوزه ليطاول أيضاً «يوتيوب» و«تويتر». وإن كان الموقع الأخير قد بات اختصاصه نقل الأخبار العاجلة والمباشرة من مختلف المناطق، فإن «يوتيوب» بدأ بأداء دور جديد، وهو رصد وسائل الإعلام وتغطياتها للأحداث المندلعة في تونس والجزائر.
هكذا يمكن متابعة كل التغطية الإعلامية للانتفاضتَين، وخصوصاً تلك التي بثتها قنوات «العربية»، و«الجزيرة»، و«بي بي سي العربية». ويبدو واضحاً تعاطف التونسيين والجزائريين مع «الجزيرة». وقد انتقد بعضهم على «يوتيوب» تغطية «العربية» لخبر التحركات في الجزائر بعد خبر تناول لقاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في نيويورك. وإلى جانب رصد وسائل الإعلام، بالإمكان متابعة كل التصريحات الرسمية والمعارِضة... وأغاني الراب التي انتشرت بكثرة على الموقع الشهير منذ أحداث سيدي بوزيد، مما أعاد إلى الأذهان ازدهار هذا الفن في الجزائر إبان «الصراع الكُروي» مع مصر.