عمرو أديب عاد إلى الشاشة. الخبر لم يعد جديداً. منبر قناة «الحياة» التي وقّع عقداً معها، يتيح له الظهور على شاشتها ساعة يشاء وفق ما قال رئيس مجلس إدارة المحطة السيّد البدوي (رجل الأعمال ورئيس حزب «الوفد»). هنا، عاد أديب لينتقد معارضي الرئيس حسني مبارك، ويهاجم المطالبين بتنحي «الراجل اللي ضحى 30 سنة من أجل مصر»!هكذا، كانت الظروف القاهرة في المحروسة السبب الأول والأخير لظهور أديب على الشاشة. وقد جعلته هذه الظروف يتراجع عن موقف أعلنه مراراً بعد إقفال «مدينة الإنتاج الإعلامي» في وجه قناة «اليوم» من شبكة «أوربت». إذ قال يومها إن وفاءه للمحطة التي أطلقته وسلمته الهواء ما يزيد على عشر سنوات، لن يقابله بقلّة الوفاء، خاتماً بقوله: «سأظل معهم حتى يطلبوا منّي الرحيل».
وما قاله طوال سنوات في برنامجه «القاهرة اليوم» على شبكة «أوربت»، ها هو يكرّره اليوم في برنامج «مباشر مع عمرو أديب» الذي يعرض يومياً على قناة «الحياة 2» (21:00). هنا تستفيد المحطة من اسم الإعلامي المشاكس في عنوان البرنامج، رغم أنه يتقاسم تقديمه مع رولا خرسا التي تبدو ضيفة شرف، بل كمن ينتظر إشارة عمرو كي يتكلم.
أشهر الغياب لم تغيّر عمرو أديب. ما زال يستخدم نبرته الحادة ليدافع عمّا يؤمن به. وكل حلقة قدّمها منذ بداية الثورة المصريّة قبل أسبوعين، تتضمن رسالة تؤكد تمسكه بالرئيس ومهاجمة لبقيّة أفراد السلطة والحكومة. الكل مسموح انتقاده ما عدا الرئيس الذي هو «خط أحمر».
هاجم عمرو أديب «الراجل بتاع إيران» (السفير الإيراني) الذي فاجأه بأنه يتكلم العربيّة، «فهو يصر دوماً على التكلم بالفارسيّة في اجتماعاته مع القادة والرؤساء في العالم العربي». وشن حملة على إيران ونظامها، مذكّراً بانتفاضة الشعب فيها، وكيف كانت كاميرا واحدة تتابع الأحداث على الأرض، وكل ما ظهر من صور وفيديو على الشاشات كان بواسطة أجهزة الخلوي، وأردف قائلاً: «دلوقتي بقيتو بتوع حقوق الإنسان؟ دنتو سحلتو العيال (اعتداء)، وانتهكتم حقوق الإنسان. لديكم أكبر معتقلات والأمن المركزي اعتدى على الشباب في الشوارع». وأضاف: «لا نعيش في جنة، لكن الذي يعيش في بيت من زجاج، «ما يرميش الناس بالطوب»».
قبل ذلك، حفظ عمرو أديب الخطاب الثاني للرئيس مبارك بعد اندلاع «ثورة الغضب»، وقرر تلاوته على جمهور البرنامج. لفت إلى أن «الرئيس لم يكن طالب سلطة ولا جاه، وأكد أنه لا ينوي الترشح للانتخابات القادمة، والأهم بالنسبة إليه هو الوطن. قرر الرحيل للحفاظ على البلد». هنا، لم يكتف عمرو أديب بالتعبير عن رأيه بالمتظاهرين وبضرورة أن يقابلوا هذا الكلام بإيجابيّة فقط، بل دعاهم «يلا لمّوا بعض وروحوا بيوتكم». وهنا، ردّ المحامي المعارض عصام سلطان في مداخلة هاتفية على خطاب مبارك، مؤكداً أنّه الخطاب نفسه الذي تلاه قبل خمس سنوات في «المنوفية» عام 2005. قاطع أديب الرجل مراراً، بمؤازرة رولا الخرسا التي هي، في المناسبة، زوجة عبد اللطيف المناوي (رئيس مركز أخبار مصر في التلفزيون المصري، والمسؤول الأول حالياً عن تغطية التلفزيون المصري للأحداث). حاول المقدمان الالتفاف على رأي المحامي، من خلال استضافة مجموعة من الشباب الذين أقنعتهم كلمة مبارك، فخرجوا من ميدان التحرير، ومنهم من حزب «الوفد» وحركة «كفاية».
وحاول أديب استخدام الوسيلة نفسها مع الإعلامي محمود سعد الذي أوقف عن الهواء في الأيام الأولى للثورة وطلب عرض صور «الولاد الشهداء». وطالب سعد «النظام» بالالتفات إلى دعوة هؤلاء الشباب، «نشكره ويكفيه خدمة 30 سنة، اليوم العيال كبرت فليترك الحكم للعيال الذين خرجوا في الشارع (المتظاهرين)، فليسلمهم الحكم». وحرص سعد على حفظ ماء الوجه مع الرئيس بالقول إنّ «له مواقف إنسانية معي ومعك أيضاً يا عمرو. لا ننكرها، لكن الرئيس حكم 30 سنة، هل ستبدل شيئاً خلال أربعة أشهر؟». فضل عمرو أديب هنا الإصغاء إلى كلام صديقه اللدود، بينما أفتت الخرسا بأن «الناس يتخوفون من فراغ دستوري» فأجابها سعد بأنّ «هذا الكلام يراد به أشياء أخرى، فلنفرض أن الرئيس قرر أن يتوقف عن الحكم، فماذا يحصل في البلد؟». ثم لفت عمرو أديب إلى تخوفه من المادة الـ76 في الدستور، «لو مشي لازم نعمل الانتخابات خلال 60 يوماً»، فرد سعد «نحلّ مجلسي الشعب والشورى، ونكتب دستوراً جديداً، فالدستور ليس قرآناً ولا إنجيلاً، هو في النهاية من صنع البشر».
باختصار، هذا غيض من فيض من أقوال عمرو أديب في برنامجه، فإذا بكيل شباب «ثورة الغضب» يطفح، فمنعوه منذ أيام من دخول ميدان التحرير، فيما سامحوا منى الشاذلي التي رأوا أنّها قدّمت بادرة «حسن نية» باستضافتها «مناضل الكيبورد» وائل غنيم.