الجزائر | أصدرت الكوميدية والكاتبة المسرحية الجزائرية ريحانة أخيراً كتاباً بيوغرافياً بعنوان «ثمن الحرية» (منشورات فلاماريون ـــــ فرنسا) حيث تسرد فيه جزءاً من حياتها الشخصية والفنية، وتتساءل عن أسباب الاعتداء الذي تعرضت له العام الماضي في قلب باريس خلال عرض مسرحيتها «في سنّي، ما زلت أختبئ لأدخن».لم تستوعب ريحانة تلك الصدمة حتى الآن. تكتب: «كنت أعتقد بأنني أعيش في بلد آمن». لم تكن تدرك أنّ المسرحية ستجعلها هدفاً للمتعصّبين والمنغلقين. يومها، باغتها شابان من الخلف، لم تستطع تحديد هويتيهما، وصبّ أحدهما الأسيد الحارق عليها، وحاول الثاني إضرام النار في وجهها، مستعيناً بعقب سيجارة. حادثة حرّكت وسائل الإعلام والعديد من المنظمات الحقوقية الفرنسية. «لست متأكدة إن كان السبب موضوع المسرحية أو شيئاً آخر» تضيف. إلا أنّ معظم التكهنات ترجّح أنّ سبب الاعتداء هو رفض بعض أفراد الجالية جرأة المسرحية، وتجاوزها الخطوط الحمراء ومحاولتها تعرية حياة المرأة الجزائرية السريّة وراهنها. مع العلم أنّها عُرضت للمرة الأولى في «دار ميتالو» في الدائرة الـ 11 في باريس، حيث معظم السكان هم من المغاربة المحافظين.
المسرحية التي حملت في البداية عنوان «نساء في الحمام» شهدت إقبالاً واسعاً طوال شهر شباط (فبراير) من العام الماضي. أما نصّ العمل، فغاص في «المحظور» وعرض لتناقضات الحالة الجزائرية.
المسرحية تدور وقائعها في حمام في الجزائر خلال سنوات الإرهاب في التسعينيات من القرن المنصرم. نحن أمام تسع نساء جزائريات من أعمار وظروف وطبقات اجتماعية متفاوتة ومختلفة، لكن ما سيجمعهن هو كشف المستور، والعنف السياسي والاجتماعي والجنسي والمعنوي الممارس ضدهن في جزائر وقعت فريسةً للفساد والبؤس. نساء تربطهن أيضاً رغبة في التحرّر من بطريركية «الآخر»، ورفض الأصوليّة الدّينية التي تحاصر أحلامهن ورغباتهن. بهذا المعنى، يصبح الحمّام مكاناً رمزياً يكشف عري الجسد بقدر ما يكشف عري النفس بكل الخوف والإرهاب اللذين يعتريانها.
ينطلق العرض من مشهد شخصية مريم (ريحانة) التي تلجأ إلى الحمّام هرباً من شقيقها الذي يهددها بالقتل بعد اكتشافه أنّها حامل بابن «غير شرعي». وتدريجاً، نكتشف مختلف الشخصيات النسائية الأخرى مثل فاطمة (50 سنة) المدلكة التي تعيش كبتاً جنسياً وعجزاً عن التواصل مع زوجها الذي يختصر وجودها بكونها «أداة جنسية»، كما نشاهد سامية (29 سنة) الغارقة في تعسف العائلة التي تحرمها أبسط حقوقها، والحالمة بالزواج بأجنبي أو مغترب كي تهرب خارج البلد. وهناك نادية (26 سنة) التي ترمز إلى المرأة المتحررة التي تعلن «الأفراح» بعد طلاقها وتخلّصها من سطوة زوجها. فيما زاهية (30 سنة) التي تنتمي إلى التيار الإسلامي المتشدّد، تدافع عنه وتبرّئه من الأحكام والكليشيهات السائدة. هناك أيضاً لطيفة، وعايشة، ولويزة، ومدام موني، اللواتي يتناوبن على الحديث، وتقرّ كل واحدة منهن بفشلها في التعبير عن ذاتها، والقمع الذي تتعرّض له من الآخر، وعن رغبتها في الانتقام، مع مواصلة الاختباء من أجل «التدخين» وممارسة بعض الطقوس السرية.
بين البوح، والموسيقى، والشجار حيناً، والرقص أحياناً أخرى، تتواصل المسرحية (ساعة و50 د) في «حمّام/ منفى» لنساء حالمات، وتُختتم باقتحام أحد الإرهابيين المكان وقتل الصغيرة سامية رمياً بالرصاص.
من خلال «في سنّي، ما زلت أختبئ لأدخن»، تحاول ريحانة ـــــ ابنة باب الواد ـــــ نقل صورة عن جزائر اليوم من الداخل. تصوّر المرأة في مختلف حالاتها وتعبّر عن خيبتها في ظل تواصل اعتبارها رمزاً لـ «الحشمة» و«العار» في الجزائر. ريحانة، التي انطلقت في عالم المسرح من على خشبة بجاية (شرقي الجزائر) في منتصف التسعينيات، تؤمن بحساسية المواضيع التي تطرقت إليها والمستلهَمة كلّها من تجارب شخصية.