«الصحافة ليست في طريقها إلى الانقراض لكنها تتحوّل مع تطوّر وسائل النيو ميديا. ومن يرفض الاعتراف بذلك، ويدفن رأسه في التراب، فهو الخاسر». تلك هي الخلاصة التي وصل إليها الإعلامي الفرنسي جوليان بان خلال محاضرة ألقاها أمس في المركز الثقافي في بيروت ضمن سلسلة ندوات ينظّمها المركز وتستمر حتى غد تحت عنوان عريض هو «الصحافة التشاركية». في محاضرته، عرض بان آلية العمل التي يعتمدها مع فريقه في البرنامج الأسبوعي الذي يقدمه على قناة «فرانس 24» بعنوان «المراقبون». وهو برنامج شهير يعتمد أساساً على مصادر النيو ميديا. «حين اقترحت الفكرة منذ أربع سنوات، واجهتُ صعوبة في إقناع القيّمين على المحطة، إذ كيف يرتكز برنامج على مساهمات هواة ولا يفقد صدقيته؟ أما الآن، فقد فرضت المواقع التفاعلية كتويتر وفايسبوك ويوتيوب نفسها، وصار أعضاؤها بكاميراتهم وشهاداتهم مصدراً مهماً تركن إليه الصحافة».
يستمدّ «مراقبون» (مدته خمس دقائق) محتواه من قاعدة عريضة من هواة النيوميديا الحاضرين في قلب الحدث. ورغم أنّهم هواة، فقد كسروا احتكار المعلومة بمساهماتهم وكاميراتهم الصغيرة: ثلاثون ألف مسجّل على الموقع الخاص بالبرنامج و2500 مراقب هم «عيونكم في جميع أصقاع العالم» كما يقول شعار البرنامج. إذاً، هل تحرير المعلومة وتعدّد أشكال نقل الخبر، يعنيان موت الصحافة الكلاسيكية؟ على العكس، يرى بان أنّ «أياماً جميلة تنتظر الصحافة، شرط تحديث أدواتها». في برنامجه، يولي هذا الإعلامي أهمية للتدقيق في المعلومة «ولو على حساب السبق». ويحصل ذلك بفضل فريق من الصحافيين المحترفين الذين يستندون إلى معايير دقيقة، وخصوصاً اتصالات يجرونها مع «مراقبين»، قبل نشر ما يتلقفونه من أخبار وصور. هكذا، يصبح للصحافة دور مكمّل لكن جوهري لأخبار النيو ميديا، تستعيد عبره ميزتها التي فقدتها خلال السنوات الأخيرة «حين اعتدنا الركون إلى أخبار الوكالات من دون تدقيق».
إذاً، لا تهدد النيو ميديا الصحافة، بل تردها إلى معقلها. هكذا، كان «المراقبون» وموقعه التفاعلي أول جهة إعلامية غربية تلتفت إلى إرهاصات الثورة التونسية في سيدي بوزيد كما يلفت بان، شارحاً أنّ المواطنين الذين ينقلون الخبر قطعوا نصف الشوط في مجال التدقيق: لقد أصبح الهاوي الذي يلتقط صورة تظاهرة في سوريا مثلاً، يتعمّد أخذها من زاوية تبدو فيها معالم المكان واضحةً حتى يتسنى للجهة الإعلامية التي تتلقف الفيديو تأكد صدقيته من أحد مصادرها المقيمة قرب الموقع.
الصحافة تتحول. لقد أصبحت ثمرة تحالف بين طرفين: الصحافي المحترف، والهاوي المتيقّظ. أما المتلقّي، فيحب ذلك... والدليل «دراسة أجرتها «فرانس 24» عام 2009 تبين أنّ «مراقبون» من بين البرامج التي تحوز أعلى نسبة مشاهدة».