ليبيا | عبد الباسط أبوبكر محمد، شاعر ليبي شاب، انطلقت تجربته مع قصيدة النثر نهاية تسعينيات القرن الفائت، وفي رصيده ديوانان «في متناول القلب»، و«أوقات خارج الوقت». حين زرناه في مكتبه قبل سنوات، كان يحيط نفسه بقصاصات لقصائده، يلصقها على الزجاج، والأبواب، والخزائن. يتذكّر بداياته مع القصيدة. «كنت شاباً بسيطاً يبحث عن معنى لكلمة «مستقبل»، أقرأ كثيراً لشعراء كثيرين. كان همّ البحث عن القصيدة همّاً دائماً، وكان قلقاً ممزوجاً بخوف. خوف من الغد، من اليوم، كنتُ مجموعةً متنقلة من المخاوف (...) تجربة النشر في الصحف تشعرني بالانتشاء، ما زلت أحتفظ بنسخ من الصحف الأولى التي نشرت لي. خلال الثورة الليبية، غاب شعر الفصحى، لمصلحة شعر شعبي أكثر قدرة على التعبير عن اللحظة. يرى أبوبكر محمّد «أن الشعراء الشعبيين هنا أكثر مرونة من شعراء الفصحى، ربما لإلحاح الجمهور. (...) أعتقد أن ربيع الثورات العربية أربك الكثير من الحسابات العالمية، ولم يربك الشعراء فقط».

في قصيدته الأخيرة، «ثورة بكبسة زرّ»، قارب شاعرنا العوامل التي أدت إلى نجاح الثورات، مركّزاً على عامل وسائل الاتصال الحديث، وعلى الإنترنت بأزراره السحريّة. «ربيع الثورات العربية جاء عبر بوابة التقنية»، يقرّ أبوبكر محمد. «أظن أن الكثير من الأفكار السائدة في الماضي لن تجد مكاناً في المرحلة القادمة. الثورة حالياً أكثر سهولة من أيّ وقت مضى».
ويتذكّر: «قبل «17 فبراير»، شهدت ليبيا مخاضاً كبيراً وخطير جداً على صفحات فايسبوك. كنا نتظاهر يومياً في مجتمع كبير من الأصدقاء، وكان التفكير على نحو مسموع.
وانعكس النقاش الكبير لثورتي تونس ومصر، على معظم كتابات تلك الفترة. كانت مواقع التواصل الاجتماعي، جبهة مفتوحة للطرفين، من هم مع، ومن هم ضدّ. شبكة الإنترنت، مثلت، بثقافة النقر على الأزرار نقلة نوعية في الثورات العربية.
نقلت الثورة من خصوصيتها المحلية المنغلقة لتصبح ثورة عالمية، تتداخل فيها الأفكار والتطلعات. قصيدتي «ثورة بكبسة زر» كانت تلخيصاً لتلك المرحلة، مرحلة محمومة بين فضاء الإنترنت الرحيب، رغم قبضة السلطات الخانقة». في قصيدته هذه، بحث الشاعر عن كلمة «ارحل» التي مثّلت محوراً رئيسياً لمعظم الثورات العربية. «ارحل» كلمة تحاول أن تستنطقها القصيدة في الكثير من تفاصيلها.
بعد الثورة، يبقى سؤال القصيدة مطروحاً بقوّة. كيف سيكون حضور قصيدة النثر الليبية؟ يتذكر أبوبكر محمد في هذا الإطار الصدى الذي لقيته القصيدة الليبية أثناء مشاركته في «مهرجان قصيدة النثر» في القاهرة عام 2010. «قبول القصيدة الليبية كان جيّداً دوماً».