بعدما عاش الإعلام التونسي خلال عهد زين العابدين بن علي في سراديب الظلام، منحت الثورة الصحافيين فسحة من الحرية حلموا بها لسنوات طويلة. ومع انهيار السلطة السابقة، فُتح باب الإعلام على مصراعيه. والحصيلة الأولية لهذه الحرية كانت ظهور 88 مطبوعة ورقية، و15 إذاعة خاصة، و5 قنوات تلفزيونية. ومع مصادقة «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة» على قانون الصحافة والطباعة والنشر، سقطت كل القيود التشريعية التي كانت تكبّل العمل الإعلامي، وأصبح التونسيون يعيشون في ظل التعددية التي تاقوا إليها طويلاً.
غير أن اتساع هامش الحريات لم يؤدِّ إلى تحسين نوعية البرامج والمقالات، بل على العكس. ولعل السبب الرئيسي لهذا التراجع في جودة المادة الإعلامية، كان السياسة الممنهجة التي اتبعها النظام السابق لضرب «كلية الصحافة وعلوم الأخبار». هكذا وجدت الساحة الإعلامية التونسية نفسها أمام معضلة غياب الاحتراف والمهنية لدى قطاع واسع من الصحافيين، الذين عجزوا عن مجاراة الواقع الجديد. هذا التحدّي الجديد انتبهت إليه الجهات المسؤولة، فبدأت سلسلة ورش تدريبية استفاد منها عشرات الصحافيين الشباب.
كذلك أنشئت «الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال» برئاسة الإعلامي كمال العبيدي، الذي استطاع في فترة قصيرة تنفيذ برنامج لإعادة هيكلة القطاع، كما عادت قيادة نقابة الصحافيين إلى أصحابها، فتألّف مكتب تنفيذي جديد.
لكن كل هذه الإصلاحات، لم تمنع ظهور عدد كبير من المشاكل الموروثة عن العهد البائد. هكذا حافظت المؤسسات الإعلامية على التركيبة نفسها التي كانت موجودة في السابق، وبقيت تشرف عليها مجموعة من المسؤولين الذين كانوا يخدمون السلطة المخلوعة، وفشلت جميع المحاولات لتطهير القطاع، كما ازداد الاحتقان مع إقفال بعض الصحف المقربة من النظام من دون تقديم تعويضات مالية للعاملين فيها. أما صحافيو جريدة «الصحافة» الحكومية، فدخلوا في اعتصام مفتوح في شهر أيار (مايو) احتجاجاً على القرار الإداري القاضي بوقف صدور اليومية واستبدالها بأخرى أسبوعية، قبل أن يجري التراجع عن هذه القرار، كما أضرب صحافيان عاملان في الموقع الإلكتروني لجريدة «الشروق» اليومية عن الطعام في تشرين الثاني (نوفمبر)، احتجاجاً على قرار إيقافهما عن العمل فجأة.

وإن كانت سطوة الرقابة قد تراجعت على نحو سريع، فإن أشكالاً أخرى من المضايقات ضدّ الإعلاميين برزت، حيث ظهر نوع جديد من الرقابة الاجتماعية. وتجلّت هذه الظاهرة في تعرّض عدد من المؤسسات الإعلامية لهجمات متفاوتة الحدة، كلما بثت مادة إعلامية مخالفة لـ«الذوق العام». وقد تعرّض عدد من الصحافيين للعنف اللفظي والجسدي من قبل مواطنين بسبب «عدم نقلهم الحقيقة كاملة». ودفع المدير العام لقناة «نسمة تي في» الفضائية نبيل القروي ثمن عرضه شريط التحريك «برسيبوليس» غالياً بعدما قامت مجموعة من السلفيين بمحاولة إحراق منزله في تشرين الأول (أكتوبر)، بتهمة «التعرّض للذات الإلهية». ومع سطوع نجم الإعلام التقليدي من جديد، خفت وهج الإعلام الإلكتروني، الذي أدّى دوراً رئيسياً في تحريك الثورة وانتصارها. وتعاني بعض الصحف الإلكترونية الشهيرة ضعفاً في المهنية والمضمون.
إذاً خطا الإعلام التونسي خطوات كبيرة إلى الأمام، كما عاد إلى الضوء عدد من الإعلاميين الذين حاربهم نظام بن علي بشراسة. ومن بين هؤلاء الصحافية والناشطة التونسية سهام بن سدرين (61 عاماً) التي فازت بجائزة «مؤسسة ابن رشد للفكر الحر»، في دورتها الثالثة عشرة، تقديراً لنضالها الإعلامي والحقوقي خلال العقود الماضية.