القاهرة | ثمة حراك في الأجهزة السيادية في مصر لتشكيل «حزب حاكم» يضم الغالبية البرلمانية، مع إقصاء أحزاب أخرى والتخلي عن بعض نوابها، في مقابل إعادة صياغة الغالبية داخل البرلمان لتشكل الثلثين غير المعطلة لأي قوانين في المستقبل القريب، ولا سيما المرتبط منها بأطروحات التعديلات الدستورية، التي أعيدت المناقشات بشأنها خلال الفترة الماضية على نطاق ضيق.هذه الأطروحات تطرح سيناريوات عدة مرتبطة بمسارين مهمين، الأول انتخابات المحليات التي يتوقع إجراؤها للمرة الأولى منذ اكثر من 10 سنوات قبل نهاية العام الحالي؛ والثاني مرتبط بالانتخابات الرئاسية عام 2022، التي بدأ الحديث عنها منذ الآن لضمان بقاء الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي على رأس السلطة، مع إيجاد مخرج دستوري لنص تحديد مدة الرئيس بولايتين.
بالعودة إلى ما يجري في أروقة الدولة، فإن تصارع الأجهزة عاد مجدداً، لكن على استحياء هذه المرة، من خلال وجود وجهتي نظر تدعمان مستقبل البرلمان ورؤية التعامل معه خلال الفترة المقبلة، فعلى الرغم من إمرار جميع القوانين والموازنة بالصورة التي رغبت فيها الحكومة، إلا أن ثمة مخاوف مستمرة من القادم، تجعل عملية إحكام السيطرة على الأحزاب السياسية، وجعل نوابها غير قادرين على النقاش بشأن القرارات التي تصدر، رغبة ملحة لدى غالبية الأجهزة، ليتحول النواب إلى مجرّد ديكور تحت قبة البرلمان، ويقتصر دورهم على إمرار القوانين دون اعتراض أو حتى مناقشة.
هذه الرغبة تتعارض مع رؤية بعض القيادات بضرورة تنوع الحياة السياسية بين الأحزاب المختلفة، مع إبقائها تحت مظلة الأجهزة، وهو السبب في تشتت عدد ليس بالقليل من النواب ما بين الاستقالة من أحزابهم والانتقال إلى حزب «مستقبل وطن» الذي سيعاد تشكيل مكاتبه وفروعه وتوزيع المناصب فيه في وقت لاحق فور استقراره، وبين البقاء في أحزابهم التي يخشون من تحولها إلى مجرد أسماء فقط في المستقبل، ولا سيما مع تزايد التضييق على رجال الأعمال الداعمين للأحزاب من خارج الفئة التي تحظى برضى الجهات السيادية.
مصدر مطلع على ما يدور داخل قصر الاتحادية، قال لـ«الأخبار» إن الأجهزة تنفذ توجيهات الرئيس باندماج الأحزاب التي تحمل آراء سياسية متشابهة، وهو أمر مرغوب فيه في الوقت الحالي، نظراً الى الصلاحيات الكبيرة التي تتمتع بها المجالس المحلية التي سيتم انتخاب أعضائها قريباً.
ويشير المصدر إلى أن هناك أزمة في إعداد كوادر المحليات من أحزاب مختلفة، حتى تلك التي تعتبر تحت مظلة الدولة، بسبب تعارض الآراء في بعض القضايا، والمزايدات التي تحدث، ما يعني أن ثمة ضرورة ملحة في أن يكون معظم الفائزين بانتخابات المحليات هم أنفسهم المنتمون إلى حزب الغالبية البرلمانية.
تدور مناقشات أخرى حول تحويل طبيعة الحكم في الدولة


ويضيف المصدر أن الصلاحيات الواسعة للمجالس المحلية إذا لم يتم إحكام السيطرة عليها مسبقاً في مرحلة الانتخابات ستؤدي إلى «كوارث حقيقية»، مؤكداً أن الهدف الحقيقي الآن هو تجهيز القيادات التي يمكن أن تشغل مناصب العضوية في المجالس المحلية، وفق النسب المنصوص عليها في الدستور والقانون، والمرتبطة بذوي الاحتياجات الخاصة والشباب والمرأة.
مصير التعديلات الدستورية وصياغتها لم يحسم بشكل كامل. تأجيل الحسم يأتي مرتبطاً بتحركات مختلفة للاتفاق على الصيغة التي يمكن من خلالها إبقاء السيسي على رأس السلطة السياسية، فالرئيس المصري رفض مقترحاً بأن تتضمن التعديلات المرتقبة تمديداً لمدته الرئاسية عامين لتنتهي في عام 2024 بحيث تكون مدة الرئاسة 6 سنوات.
صحيح أن السيسي أكد في لقاء سابق قبل شهور قناعاته الشخصية بأن ولايتين للرئيس تكفيان، ملمّحاً إلى أنه لن يترشح لولاية ثالثة، لكن التفكير الآن يتجه إلى تكرار التجربة الروسية بين الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، ورئيس وزرائه ديمتري مدفيديف، على أن تجرى بين السيسي واللواء عباس كامل، إذا جرى التوافق على صياغتها بهذا الشكل، بحيث يكون السيسي رئيساً للحكومة وعباس كامل رئيساً للجمهورية في انتخابات عام 2022. كما طُرح مجدداً اسم المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية السابق ورئيس الجمهورية خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت إطاحة نظام «الإخوان المسلمين».
لكن هذا الحل قد يتحفظ عليه السيسي، بهذه الصورة، ومن ثم تدور مناقشات أخرى حول تحويل طبيعة الحكم في الدولة المصرية لتكون دولة برلمانية يكون رئيس الوزراء فيها هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، ويتحول منصب رئيس الجمهورية إلى منصب شرفي، على أن تبقى انتخابات الرئاسة كل ست سنوات، ولا يكون للرئيس أي أدوار سياسية، بحيث يقتصر دوره على المراسم البروتوكولية، بينما يكلف رئيس الوزراء من الغالبية البرلمانية، وفي هذه الحالة سيكون السيسي هو المرشح الوحيد لهذا المنصب، في ما يبدو هذا التصور هو الأقرب حتى الآن لتجنب أي مواقف معارضة على المستوى الدولي.
حتى الآن، لم يحسم موعد التعديلات التي ستطرحها الغالبية البرلمانية بعد إعادة تشكيلها، لكن تفاصيلها سيتم التوافق عليها مسبقاً وربما تطرح مع بداية دور الانعقاد المقبل في مطلع تشرين الأول المقبل للمناقشة، ما لم تحدث تغييرات جوهرية، وخاصة أن التصور في الوقت الحالي قائم على إجراء التعديلات الدستورية في أعقاب إجراء انتخابات المحليات التي سيتم الدفع فيها بأعداد كبيرة من الشباب الداعمين للسيسي.