القاهرة | لم تكن الزيارة التي أجراها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للولايات المتحدة، حاسمة في مسار العلاقات المصرية ــــ الأميركية، وخاصة أن التصريحات التي أدلى بها نظيره الأميركي، دونالد ترامب، في المؤتمر المقتضب قبل القمة، وفرح بها الإعلام المصري، لم تكن سوى تعبير أولي عن رغبة أميركية مباشرة في التعامل مع القاهرة، بعيداً عن التجاذب الناتج من انتقادات تخصّ الوضع الداخلي في «المحروسة»، أي على قاعدة أن السيسي حرّ في الداخل إلى حد ما، لكنه في الخارج يجب أن يستمع لواشنطن.في خلاصة اللقاءات، تلقّت القاهرة تحذيرات رسمية من شرائها مقاتلات «سو 35» الروسية، وهذه التحذيرات كانت جزءاً من مناقشات السيسي وترامب في الجلسة الموسعة التي جمعت وفدَي البلدين، وشارك فيها مدير «المخابرات العامة»، اللواء عباس كامل، ومدير مكتب السيسي، اللواء محسن عبد النبي، إلى حدّ لوح فيه الأميركيون بإيقاف المساعدات العسكرية ومنع قطع الغيار عن المعدات.
جراء ذلك، تنقل مصادر مصرية أن المناقشات حول الصفقة سوف يعاد النظر فيها. إذ تشدد مقترحات أولية قدّمها المعنيون إلى السيسي بعد الاجتماع مباشرة، على ضرورة إرجاء الصفقة والمماطلة فيها مع الجانب الروسي حالياً، أو ضمان إعادة بيعها لإحدى الدول بما لا يضرّ العلاقات مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تعيد القاهرة شراء أسلحة روسية أخرى «لا تغضب الأميركيين» بقيمة صفقة الطائرات نفسها، على أن يناقَش كل ذلك بصورة موسعة مع القادة العسكريين فور عودة الوفد إلى البلاد، بداية الأسبوع المقبل.
يشار إلى أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، تعهّد بأن بلاده ستفرض عقوبات على مصر في حال شرائها المقاتلات الروسية، قائلاً في جلسة استماع للجنة مجلس الشيوخ المختصة بميزانية 2020: «أكدنا بوضوح أن شراء مثل هذه المنظومات سيتسبب في تطبيق عقوبات بالتوافق مع قانون التصدي لأعداء الولايات المتحدة... تلقينا تأكيدات منهم أنهم يفهمون هذا الأمر جيداً، وآمل جداً أن يقرروا عدم المضي في إتمام هذه الصفقات».
وفي ملف خارجي آخر («صفقة القرن»)، مع أنه يمسّ الداخل المصري، تقول مصادر مواكبة إن الزيارة في هذا الجانب مرت بهدوء على عكس ما توقعت الأجهزة المعنية بداية، والسبب هو أن «ترامب لم يقدم شروطاً محددة يجب على القاهرة الموافقة عليها، باستثناء طرحه مسألة تبادل الأراضي»، وهي القضية التي شرح السيسي استحالة تنفيذها، مقدماً إليه مقترحات أخرى يمكن تنفيذها وتحمل أبعاداً اقتصادية، منها «منطقة اقتصادية في منطقة رفح على الحدود مع قطاع غزة».
لوّح الأميركيون بإيقاف المساعدات العسكرية ومنع قطع الغيار


ويوم أمس، قال مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، إن خطة ترامب في الشرق الأوسط «باتت قريبة جداً»، مضيفاً في تصريحات إلى شبكة «إيه بي سي» الأميركية: «نحن في المراحل النهائية لجعلها جاهزة». وذكر بولتون أن الكشف عن الخطة سيكون فور الإعلان رسمياً عن فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الانتخابات العامة، لأن ذلك سيعيد «فتح المجال أمام جميع الآفاق».
على الصعيد الداخلي، جاء الضوء الأميركي الأخضر بالموافقة الضمنية على التعديلات الدستورية ليمثل خسارة لمراهنات المعارضة المصرية على إمكانية ممارسة ضغوط خارجية، ولو جزئية، على الدولة لإيقاف مسار التعديلات، وذلك بالتزامن مع صمت أوروبي، يقابله تزايد الاستعدادات لإجراء الاستفتاء قبل نهاية الشهر الجاري. وهو ما يضع المعارضة والجمهور أمام حقيقة أن التحركات الداخلية هي المخرج الوحيد لإيقاف التعديلات، أو على الأقلّ منع إمرار بعض بنودها، ولا سيما مع قرار غالبية القوى الرئيسية المشارَكةَ في الاستفتاء، والتصويت بـ«لا» على التعديلات التي لا يزال البرلمان يناقشها حتى الآن.
من جهة أخرى، صحيح أن الرئيس المصري التقى أعضاء «غرفة التجارة المصرية ــــ الأميركية» قبل المغادرة إلى السنغال، لكن ذلك لم يزد أي اتفاقات جديدة، علماً بأن المكتب الإعلامي للرئاسة اعتذر عن عدم اللقاءات تجنباً لأسئلة عن التعديلات الدستورية وموقف السيسي منها، وهو السؤال الذي لم يجب عنه أيضاً خلال المؤتمر مع ترامب، تاركاً المجال للأخير للإجابة بمفرده.