فالبرنامج، الذي أطلقه وزير المخابرات والمدير السابق لمكتب السيسي، اللواء عباس كامل، ومدير مكتب كامل، أحمد شعبان، بعد وصول السيسي إلى السلطة، على أساس أن يكون على غرار الأنموذج الفرنسي، صار مع الوقت شرطاً أساسياً للعمل في الوظائف العليا، بل صار لشبابه الأولوية في المنح التي توفرها الجامعات خاصة إلى كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي آلية اختيار الشباب شروط عدة بدءاً من دراستهم وثقافتهم مروراً بمظهرهم وطبيعة أسرهم، فما بين ابن الضابط وابن القاضي وابن الدبلوماسي، جاءت الاختيارات للذين باتوا يشكلون ما يشبه «التنظيم الطليعي»، تأهيلاً لهم ليصيروا كوادر في الدولة لاحقاً.
وعلى عكس ما كان متّبعاً أثناء نظام حسني مبارك، لمّا كانت عضوية «الحزب الوطني» المحلول شرطاً لتولي المناصب القيادية، صار نظام السيسي يطلب الشرط نفسه لكن عبر «البرنامج الرئاسي»، بعدما صار المنتمون إليه هم الحاكمين والمسيطرين حتى لو لم يكونوا في الواجهة. ويستمد شباب البرنامج نفوذهم من ترشيحهم عبر المقدم شعبان الذي يتنقّل بين مكتبه في المخابرات ومقر الأكاديمية حيث يستمع إلى الشباب وما ينقلونه عن الموظفين والمسؤولين، سواء أكانوا أكبر منهم في المنصب أم أقلّ، مستفيداً منهم في مراجعة التقارير التي تأتيه دورياً خاصة ما قبل إجراء تعديل وزاري أو حركة محافظين. هكذا، يقف ضابط المخابرات خلف الشباب ويدعمهم حتى في خلافاتهم مع المسؤولين الأعلى منهم، وهو ما ظهر في أكثر من موقف أخيراً، لكنه يفضّل إبعادهم عن الظهور الإعلامي إلا بموافقته الشخصية.
اللافت أن سياسة شعبان في الدفع بشباب «البرنامج الرئاسي» إلى مناصب مختلفة، كما تشرح مصادر مطلعة، مرتبطة أيضاً بحثّهم على السيطرة على الإعلام، وفعلاً صاروا مسيطرين في القنوات الخاصة التي تملكها المخابرات، لتكون الصورة: شبابٌ ليس لهم أي خبرة أو علاقة بالإعلام يديرون مؤسسات كبيرة، بل يزيحون المخضرمين الذين عملوا فيها لسنوات، وهو ما تكرر في أكثر من قناة. صحيح أن بعض المدفوعين إلى مقدمة المشهد ليسوا من خرّيجي البرنامج لكنّ أعضاءه هم أصحاب الكلمة العليا وكذلك الرأي والمشورة. ورغم محدودية ما تلقّوه خلال أسابيع قليلة في «الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب»، فإنهم يتعاملون مع أمور تفوق قدراتهم كثيراً، قياساً إلى المسؤوليات التي يتحملونها والملايين التي يديرونها، في الإعلام أو غيره.
يتوغّل شباب البرنامج في مفاصل الدولة ويتولون مسؤوليات أكبر من قدراتهم
قبل شهور قليلة، فُرضت مجموعة من شباب البرنامج على الفضائيات بطريقة جعلت حتى العاملين يشعرون بالغضب والتحفظ من التعامل معهم: شبابٌ بملابس أنيقة كل ما يجيدونه هو الحديث، يستفسرون عن الأمور بسطحية، وفجأة يديرون ويقررون. هكذا عمل الكثير ممن وضعهم شعبان لـ«إصلاح» الإعلام على طريقة المخابرات! لم تكن السيطرة على الإعلام فحسب، بل امتدت إلى الشؤون المحلية، ليصيروا أشبه بالجواسيس الذين ينقلون ما يدور بل يرشحون القادة للمناصب في أي تغييرات. وما بين نواب محافظين، ومساعدين للوزراء والمحافظين، بدأ شباب «الرئاسي» التوغل في المحافظات لدرجة أن بعض المحافظين صاروا يخشون على مواقعهم منهم.
تشرح المصادر أن شعبان يفكر في وضعهم بداية بعيداً عن الأضواء والانتقاد قبل تصعيدهم إلى الواجهة، «لكنه يغفل عن أمور أهمها عجزهم عن الإدارة، لأنهم اعتادوا العمل كجنود ينفذون الأوامر وليسوا قادرين على اتخاذ قرارات، كما أنهم لا يفهمون النظام الإداري للدولة القائم على الروتين». واللافت أن المكلفين منهم تنظيم المؤتمرات الدورية و«منتدى شباب العالم» باتوا يبحثون عمّن يحمل آراءهم وأفكارهم على أن يقبلوا امتيازات أقل، تقتصر على الرحلات والإقامات في الفنادق، خاصة بعد زيادة الطاقة الاستيعابية للمؤتمرات الشبابية لتصل بعضها إلى أكثر من ثلاثة آلاف شاب في المنتدى الواحد. لذلك، وعلى طريقة السيسي، يحاول هؤلاء إغراء شباب يؤيدون الدولة ورئيسها فقط بالسفر إلى شرم الشيخ والاستمتاع بإقامة كاملة داخل أحد الفنادق الفخمة كمقابلٍ لدعمهم الرئيس.
من جهة أخرى، بدأ شباب «الرئاسي» جولة في الخارج على نفقة الدولة من أجل جذب مزيد من الشباب الأوروبيين لحضور المؤتمرات بعدما اكتفوا في الدورات الماضية بدعوة الشباب الأفريقيين المقيمين في مصر، وسط غموض في أهداف المنتدى بنسخته الجديدة التي تُعقد في شرم الشيخ أيضاً. ويتابع المقدم شعبان تحركاتهم في هذا الصدد، وهو رغم غياب الجدوى من النسختين الأولى والثانية لـ«منتدى شباب العالم»، فإنه يتمسك بتنظيم النسخة الثالثة مطلع الشهر المقبل بعد تأجيلها من موعدها المفترض هذا الشهر بسبب ارتباطات السيسي الخارجية، فيما يتوقع أن تكون أجندتها مكررة لما سبق. وأخيراً، ثمة ملفات ثانية أسندتها المخابرات إلى الشباب من بينها قضايا في محافظة جنوب سيناء، ووزارات الاستثمار والتعاون الدولي، بالإضافة إلى محافظات كبيرة ومهمة مثل القاهرة والإسكندرية. لكن حتى الآن، لا تبدو بصمة هؤلاء واضحة في أي ملف، بل حتى في المؤتمرات الشبابية تبدو أخطاؤهم أكثر مما ينجزون، فهل يستمر الوضع كما هو؟