القاهرة | على عكس معظم مقالاته الأخيرة، فضّل الإعلامي المصري عماد الدين أديب، المقرّب من العائلة المالكة السعودية، نقل الرسائل التي ترغب فيها الرياض في مقاله عبر أحد المواقع الإلكترونية المجهولة، في خطوة عكست وصول الأزمة بين الرياض والقاهرة إلى ذروتها حالياً. وجاء مقال أديب مع تراجع قنوات الاتصال وغياب التنسيق في العديد من الملفات، وتجاهل الرياض دعوة القاهرة إلى المشاركة في العديد من اللقاءات، سواء على مستوى وزارة الخارجية أو الاستخبارات.ما نقله أديب عن انتهاء منطق المال السياسي بالنسبة إلى العواصم الخليجية ليس جديداً، لكنه موجّه بالأساس إلى النظام المصري الذي لا يزال يأمل بمساعدات مالية خليجية من دون مقابل، وهو أمر رفضته السعودية والإمارات بشكل غير مباشر عدة مرات. وتزامن هذا الرفض مع تعثر صفقات استحواذ دول خليجية على شركات حكومية مصرية، ضمن برنامج الطروحات الحكومية المتفق عليها مع «صندوق النقد الدولي»، بسبب تراجع سعر صرف الجنيه وغياب آليات التقييم العادل.
وترفض الدول الخليجية، ولا سيما السعودية، شراء شركات بأعلى من قيمتها السوقية. لكن الجديد هذه المرة هو الفصل الكامل بين التحركات الاستثمارية المرتبطة بضخ الأموال، وبين الجانب السياسي في العلاقات بين البلدين، وهو ما يبدو ظاهراً بشكل واضح مع تمسّك «صندوق الاستثمارات العامة السعودي» بتقييم سعر عادل لصفقات الاستحواذ التي يتفاوض عليها، متجاهلاً البرودة السياسية في العلاقات بين البلدين. ولم تسفر محاولات الضغط المصري سياسياً في الأسابيع الماضية، وخاصة خلال فترة ذروة انهيار الجنيه في السوق الموازية نتيجة نقص العملة الصعبة، للحصول على مساعدات سعودية، عن نتائج، مع تأكيدات الرياض أن المساعدات التي ستقدَّم للدول، بشكل استثنائي، ستكون مرتبطة بالجانب الإنساني، وليس بالجانب الاقتصادي الذي يدعم أنظمة أو حكومات.
ووفق مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن السعوديين انتقدوا غياب الشفافية والتقييم العادل للشركات المعروضة للبيع، فضلاً عن معوّقات الاستثمار المباشر، بما يجعل من الصعب للغاية التعامل مع الطروحات الحكومية للاستثمار من قبل المملكة خاصة، في ظل رغبة «صندوق الاستثمارات السعودي» في البحث عن عوائد على المدى المتوسط، وليس تعويض خسارة لأسباب سياسية، وهو أمر لم يعد مقبولاً في الجانب الاقتصادي. وتوضح المصادر أن الرسائل السعودية واضحة لا تقبل التأويل، «فلا تدخّل سياسياً في الاقتصاد المصري مهما تصاعدت الأزمة، والرياض ليست ملزمة بتصحيح أخطاء القاهرة الاقتصادية، بعد الدعم الكبير الذي قدّمته للنظام المصري لسنوات، حين ضخّت مليارات الدولارات لأجل دعمه». وعليه، يبقى السبيل الوحيد المتاح للدعم، هو ودائع مقابل فائدة، في البنك المركزي المصري، أو تنفيذ صفقات استحواذ بأسعار يراها الخليجيون عادلة وبمراجعات مالية يريدونها «شفافة وملائمة بشكل كاف من دون غموض».
الخلافات السياسية المستمرة منذ شهور طويلة ترجع إلى صدامات مباشرة بين السيسي وابن سلمان


ووصلت رسائل عماد أديب بشكل سريع إلى النظام المصري، وجاء الرد عليها من خلال عدة شخصيات مصرية محسوبة على النظام، في مقدّمها الإعلامي أحمد الطاهري، رئيس قطاع الأخبار في «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة للمخابرات بشكل كامل، الذي أكد أن العلاقات بين البلدين جيدة، وأن مصر ليست دولة فقيرة لتتسوّل الأموال سواء من الخليج أو غيره. حديث الطاهري الذي تناول انتقادات لآراء أديب، المحتضن من الرياض منذ سنوات، والذي جرت تسوية وضعه القانوني في مصر بعد مشكلات عدة بناءً على تدخلات سعودية في فترات سابقة، ركّز على عدم صحة ما يردّده أديب في ظل العلاقات والمصالح الاستراتيجية التي تركّز على استقرار البلدين، معتبراً أنه لا السعودية يمكنها تحمّل الاضطراب في مصر، ولا القاهرة يمكنها قبول اضطراب في الرياض، وبالتالي فإن الاستقرار السياسي مهمة مشتركة للنظامين.
الرد المصري، وإن كان تقليدياً ومكرراً، فإنّه يعكس بوضوح عمق الخلافات التي تتفاقم مع السعودية دون غيرها من دول الخليج، في مقابل علاقات جيدة مع الإمارات وتحفّظ مع الكويت، بسبب الأزمة السياسية التي تعوّق التواصل كما كان في الماضي، فيما تترقّب القاهرة تصرفات الرياض تجاه عدة قضايا في الأسابيع المقبلة، وخاصة مع وجود اجتماعات مقررة بين مسؤولي البلدين في الأيام المقبلة. لكن المؤكد أن الخلافات السياسية بين مصر والسعودية المستمرة منذ شهور طويلة، لم تشهد أيّ انفراجة حقيقية، حتى مع بعض اللقاءات على المستويَين الرسمي وغير الرسمي، وهي خلافات ترجع إلى صدامات مباشرة بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ووليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى جانب أخرى بين مسؤولي الاستخبارات السعودية والمصرية عقّدت التنسيق بين البلدين في قضايا مختلفة، وخصوصاً مع التحرّك السعودي المنفرد في ملفات عدة.