روني عبد النورهل نقول وداعاً لمعادلة «الكمية في مقابل النوعية» عند الحديث عن تخزين النصوص والصور والموسيقى وأفلام الفيديو؟ يبدو أن الإنجاز الذي يطل برأسه من جامعة كاليفورنيا ــــ بيركلي يدفعنا إلى الإجابة بـ«نعم مطلقة».
طوّر فريق من الجامعة نظاماً يعمل على تخزين المعلومات على مستوى النانو، ومن المتوقع أن يدخل الأسواق خلال العامين المقبلين.
لطالما أقر الخبراء بأن قدرة وسائل تخزين المعلومات على التعمير تتناسب عكسياً مع كمية المعلومات التي تحفظها، ففيما يمكن المعلومات

المنقوشة على الأحجار أن تعمّر آلاف السنين، إلا أنه لا يمكن نقش الكثير منها على حجر واحد. وفيما يُخزّن قدر كبير من المعلومات على رقاقات السليكون والأقراص المدمجة وأقراص الـDVD وأقراص الحواسيب الصلبة، إلا أن هذه الأخيرة تواجه عقبة كأداء مردّها إلى عدم تعمير المعلومات في أحسن الأحوال لأكثر من بضعة عقود من الزمن. السبب في محدودية إطالة أمد المعلومات المخزّنة يعود في المقام الأول إلى العوامل المناخية والتقلّبات التي تطرأ على الحقول المغناطيسية. وثمة عامل آخر يتمثّل في التطور التكنولوجي الذي يشهد حراكاً متواصلاً، الأمر الذي لا ينفك يحوّل أساليب التخزين المتنوعة إلى أساليب قديمة الطراز.
توصّل فريق البحث الأميركي بقيادة أستاذ الفيزياء أليكس زيتل إلى أن العمل على تطوير نظام نانوي فعّال لتخزين كميات هائلة من المعلومات الرقمية ولفترات طويلة بات ضرورة ملحّة. النظام كناية عن جزيء صغير الحجم من الحديد (أصغر من شعرة في رأس الإنسان بخمسين ألف ضعف) مغلّف داخل أنبوب نانوي كربوني، يستقبل المعلومات ويعرضها ويبدلها اعتماداً على نظام العد الثنائي. ثم، من خلال تمرير تيار كهربائي في الجهاز، يجري إدخال المعلومات نتيجة تحرك جزيء الحديد ذهاباً وإياباً داخل الأنبوب. وفيما يمثّل نصف الأنبوب لناحية اليسار العدد صفراً، يمثّل النصف الآخر منه العدد واحداً. وهكذا، يمكن استخراج المعلومات المخزّنة عبر عملية قياس مقاومة الأنبوب الكهربائية التي تتغير تبعاً لموقع الجزيء داخله. وبفضل حجم الأنبوب المتناهي الصغر، فإن من شأن مساحة تخزين مقدارها بوصة مربّعة واحدة (البوصة تساوي 2.54 سم) أن تحفظ ما لا يقل عن تريليون بت من المعلومات، أي ما يوازي خمسة إلى عشرة أضعاف ما يمكن تخزينه في المساحة نفسها على قرص صلب ممغنط.
النظام يتيح التحكم بالجزيء وتقسيم الأنبوب إلى عشرة أو حتى مئة جزء بدلاً من اثنين فقط، ما يعني الحصول التلقائي على قدرات إضافية تصل إلى مئة ضعف ما جرى التوصل إليه حتى اللحظة. أما الأهم من ذلك، فهو ما يعتقده الفريق من أن المعلومات المخزّنة ستكون عصية على الإتلاف أو الفقدان. في هذا الإطار، حدّد الخبراء مدة تعمير كل بت من المعلومات المخزّنة من خلال حساب العتبة الطاقوية المطلوبة لإثارة جزيء الحديد، والمؤدية بالتالي إلى خسارة المعلومات. وبعد مراقبة آلية عمل الجهاز بواسطة صور وفّرها ميكروسكوب فائق الدقة، جرى تصميم نموذج يحاكي حركة الجزيء في ظل درجة الحرارة الطبيعية (تتراوح بين 7 و32 درجة مئوية)، ليتبيّن أنه يمكن الحفاظ على المعلومات في ظل هذه الظروف لما يزيد عن بليون سنة.
نلفت أخيراً إلى ما أعلنه زيتل نفسه حين قال إنه استناداً إلى تقديرات العلماء، فإن الأجناس النباتية والحيوانية قد تفنى من الوجود بعد ما يقرب 500 مليون سنة، حيث سيشهد الكوكب الأزرق دخول الشمس في طور الشيخوخة وتضاؤلاً حاداً في كميات ثاني أوكسيد الكربون داخل الغلاف الجوي، ليتحوّل إلى مجرّد جرم سماوي موحش وداكن اللون. عندئذ، سيتحوّل هذا النظام أو أحد أسلافه المطوَّرة إلى أداة تخليد شاهدة على ما زخرت به الحقبات الغابرة من عمر الأرض!