strong>غسان سعودرغم أن المواقف السياسية لرئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، هي نفسها اليوم وعام 2005، وحلفاءه في الداخل والخارج ثابتون، ورغم أن القوة المالية التي واجهته عام 2005 لا تزال على حالها من دون إضافات تُذكر، ورغم أن فرنجية نال عام 2005 ضعف عدد الأصوات التي نالتها منافسته نائلة معوض في زغرتا، ورغم تقدُّم آخر المرشحين على لائحة فرنجية بنحو خمسة آلاف صوت على أول الرابحين في لائحة معوض، يصرّ ميشال معوض وجواد بولس على مزاحمة مرشحي فرنجية: سليم كرم وإسطفان الدويهي للحصول على أحد مقعديهما.
في الشكل، تبرز معركة نيابيّة زغرتاوية تحاول اللحاق بمعارك الشمال الانتخابية، سواء أكان في الكورة أم في البترون أم في طرابلس. لكن، في المضمون، لا يتعدّى الأمر، بحسب متابعين زغرتاويين، محاولة ميشال معوض الحفاظ على الحدِّ الأدنى من الحيثية الشعبية في زغرتا، وهو العارف أن فوز فرنجية سيكون بفارق شاسع، وأن انتقال فرنجية إلى السلطة التنفيذية سيؤدي إلى محاصرة أحلامه السياسية ويخرجه من اللعبة برمتها.
من هنا، يحاول ميشال معوض أن يقدم، منذ أن ولّته والدته على أنصارها قبل بضعة أسابيع، أداءً يمكن وصفه بالرجولي، مقارنة بأدائه السابق: في الإطلالات التلفزيونية بات أكثر ثقة بالنفس، في المهرجانات يخطب ويتوعد كأنه حاسم بأن لا عودة له من الانتخابات إلا منتصراً. وعلى الطريق إلى زغرتا، تنتشر شعارات حزبه بكثافة تجعل الزائر يضطر إلى السؤال عن صاحب «حركة الاستقلال» هذه. والأصدقاء يقولون إنه لا ينام، يحصي الغلّة اليوميّة (عدد ناخبيه) كل 6 ساعات تقريباً، و«يأخذ» المعركة بشكل شخصي، كأن المقعد النيابي حق للعائلة ولا تجوز المنافسة عليه.
في زغرتا نفسها، تنشط ماكينة معوض بكل طاقتها، واصلة الليل بالنهار، في ظل سعي حثيث من معوض لضرب الهالة التي يحيط أهل زغرتا وزيرهم السابق بها، تمهيداً لخوض معركة متوازنة، تماماً كما حصل مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قبل حرب تموز. ولا يفوت أنصار معوض فرصة دون الشرح أن ماكينة فرنجية تحاول تصوير معوض كطفل لتضليل الناخبين، فيما فارق العمر بين «ابن الست» و«ابن البيك» لا يتجاوز 7 سنوات (معوض مواليد 1972 وفرنجية مواليد 1965)، مع العلم بأن فرنجيّة حين كان في عمر معوض اليوم (37 عاماً) كان قد سبق له أن تولى النيابة 4 مرات والوزارة 6 مرات.
في المقابل، رغم تشارك معوض وبولس في توزيع الأموال (علماً بأن بولس كان موظفاً مغموراً، أجره الشهري لا يتعدى بضعة ملايين ليرة)، ومشاركتهما معاً في معظم تحركات الأكثرية، يحاول بولس قدر المستطاع الاستفادة من بعض أخطاء معوض، على مستويين أساسيين:
1- في العلاقة بالقوات، يقول أحد أنصاره إن بولس يفتقد الغطاء السياسي. وهو يعتقد أن جعجع قادر على توفير هذا الغطاء ويكون بمثابة مرجعيّة له. فيما يسير معوض مع القوات بانسجام، تام ثم يقف عند مطبّ ليقول إن له حيثيّته التاريخية ولا يمكنه الذوبان في القوات، ما يجعل بولس صاحب الأولوية بالنسبة إلى حزب الأكثريّة المسيحي في الشمال.
2- في العلاقة بفرنجيّة، يبحث معوض بين كومات القش عن إبرة يغزُّ بها فرنجيّة، ويكثّف يوماً بعد يوم هجومه على الوزير السابق والمتمسكين بزعامته. فيما يلعب بولس لعبة أخرى، فيتودد إلى أنصار فرنجية، ويغدق الكلام الإيجابي عن فرنجية بحضور هؤلاء، مذكّراً بأن والده سيمون بولس كان قريباً جداً من آل فرنجية. وهو، من جهته، وفيٌّ لهذا الإرث، لكن «الوزير» لا يبادله الوفاء، ولعله يشعر بأن بولس يسعى إلى استعطاف أنصاره ليحصل على أصواتهم. وللتذكير، كان بولس في الانتخابات البلدية عام 1998 حليفاً لفرنجية، وغالبية الخدمات التي وزعها على أنصاره حصل عليها من مؤسسات تُحسب في زغرتا والجوار على فرنجيّة.
هكذا، تبدو المعركة، في أحد وجوهها، منافسة بين معوض وبولس للفوز بأكبر عدد ممكن من الأصوات، ما سيترجم، بحسب مصادر متنوعة في زغرتا، كثافة تشطيب، على اعتبار أن الاثنين، ربما، يعتقدان بأن ثمة إمكاناً لتحقيق خرق واحد فقط، من خلال «ثغرة» يوسف كرم، الذي حلَّ أخيراً ضمن لائحة فرنجية عام 2005، حاصداً 15547 صوتاً فقط، مقابل 16684 صوتاً لاسطفان الدويهي، و20495 لفرنجية (في المقابل، كانت قدرة معوض التجييرية أكبر، إذ حصلت هي على 10495 صوتاً وحصل بولس على 9798 صوتاً، وحل ثالثاً سمير فرنجية حاصداً 8326 صوتاً فقط). من هنا، ونتيجة ضغط معوض وإصراره على حصول معركة في زغرتا، يقول أحد المتابعين، يجد فرنجية نفسه مضطراً إلى خوض معركة تحت عنوانَين أساسيّين:
1- رفع نسبة مؤيديه، وهو حصل على تأييد 69,2% من المقترعين في الدورة السابقة، ما يفرض عليه مضاعفة التحرك. وفي هذا السياق، ثمّة أكثر من معركة على أكثر من جبهة، بحسب مسؤولين في المردة. فمرة، يشهر الأكثريون سلاح الموقف من البطريرك بوجه فرنجية. ومرّة، يقولون إن انتخاب فرنجية يؤدي إلى أزمة بين زغرتا وجوارها (مع العلم بأن فرنجية حلَّ أول، عام 2005 في البترون والكورة، إضافة إلى زغرتا، وحصل على نحو 28 ألف صوت في طرابلس).
2- رفع قدرته التجييرية، ففارق الخمسة آلاف صوت بينه وبين كرم عام 2005 يعتبر كبيراً جداً، وهو ما يراهن معوض وبولس عليه ليخرق أحدهما. وفي هذا السياق، ثمّة توزيع أدوار، ففرنجية يقوم بواجبه، متطلعاً إلى التزام آل كرم وآل الدويهي باللائحة كاملة. وهنا، للتذكير، أن يوسف الدويهي، المرشح ضمن لائحة معوض، حاول التحرك قليلاً، لكن عائلته لم تلاقه في منتصف الطريق. ويفترض أن يؤدي حسم اسطفان الدويهي الفوز ضمن لائحة فرنجية إلى التفاف غالبية أبناء عائلته حوله على اعتبار أن التقرب من المرشح الفائز يفيد، فيما تبييض الوجه مع مرشح آخر لا ينفع بشيء. أما سليم كرم فقد نجح أخيراً بتوسعة هامش حركته في زغرتا، المدينة والقرى، ويفترض أن يستفيد من إعلان المرشح فايز كرم الانسحاب.
في النتيجة، تذهب زغرتا إلى معركة محسومة المقاعد، لا ينافس ميشال معوض فيها إلا جواد بولس، ولا ينافس سليمان فرنجية إلا نتائج سليمان فرنجية في الـ2005.