طرابلس ــ عبد الكافي الصمديبرّر مسؤولو ومناصرو تيار المستقبل في الشمال ارتباكهم الظاهر في التعاطي مع استحقاق الانتخابات النيابية، ضمن صفوفهم أو مع حلفائهم، في أن الانتخابات المقبلة وفق حساباتهم الأولية مختلفة شكلاً ومضموناً عن انتخابات عام 2005، ما يفرض عليهم تعاطياً مختلفاً، ومقاربة تتطلب بذل جهود أكبر من تلك التي قدّموها في الانتخابات الماضية التي كانت «شبه نزهة» بالنسبة إليهم.
فقبل نحو أربع سنوات اجتاح مناصرو تيار المستقبل، وفئات واسعة من مناصريهم في الدوائر ذات الغالبية السنية في الشمال، صناديق الاقتراع بصورة غير مسبوقة، وبشكل يشبه «الهستيريا» الانتخابية، ما جعل منافسيهم الذين بقوا في الساحة، بعدما فضّل أكثر من طرف حينذاك الانكفاء حتى مرور العاصفة، غير قادرين على مواجهتهم، نظراً إلى الفرق الشاسع بين الطرفين في الإمكانات، وفي القدرة على إقناع جمهور تحوّل إلى أسير مواقف سياسية غلب عليها طابع العاطفة والغريزة المذهبية، فضلاً عن الأهواء السياسية التي تفلّتت من عقالها.
فأمام استغلال دم الرئيس رفيق الحريري في البازار الانتخابي، والخطاب «العدائي» تجاه السوريين، والضرب على وتر زعامة الطائفة السنية التي اعتبرت مهدّدة بنظر البعض بعد «تسونامي» العماد ميشال عون الذي ضرب بقوة في دوائر جبل لبنان، والاستعانة بسلاحي المال والإعلام بلا حسيب أو رقيب، باتت خيارات الناخبين ضيقة للغاية، وأصبحت الموجة أكبر من أن يستطيع أحد مواجهتها، فسلّم كثيرون بالقضاء والقدر الذي حلّ عليهم، بانتظار هدوء العاصفة لإعادة الأمور إلى نصابها.
أربع سنوات مرت على تلك «التراجيديا» الانتخابية، جعل الفترة التي تليها تحفل بالكثير من التطورات والتحولات، وصولاً إلى الفترة الحالية التي وجد فيها مسؤولو ومناصرو تيار المستقبل أنفسهم أمام واقع جديد، مغاير تماماً لما كان موجوداً في الفترة القليلة التي سبقت الانتخابات الماضية: استغلال دم الرئيس الحريري لم يعد تجارة مربحة، السوريون أصبحوا خارج لبنان وعيّنوا سفيراً لهم في بيروت بعدما رتّبوا أوراقهم بما يناسبهم مع القوى الإقليمية والدولية المعنية بلبنان، فضلاً عن أن قانون الانتخابات جرى إقراره عكس ما كانوا يشتهون وحلفاءهم، كذلك فإن زعامة الطائفة لم تعد في خطر من غير وجود من ينقذها، لا بل إن أغلبية القوى والشخصيات التي انكفأت، بدأت تحضّر نفسها لاسترجاع ما فاتها من حضور، كالرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي والجماعة الإسلامية، وقولهم للمستقبل، مباشرة أو غير مباشرة، إنه ليس الطرف الوحيد في الساحة السنية، ولا يمكنه أن يفعل بها ما يشاء.
ومع أن أوساط تيار المستقبل تقرّ ضمناً بـ«صعوبة المرحلة الآتية، وبأن حسابات حقل الانتخابات المقبلة ليست مطابقة لبيدر الانتخابات السابقة»، إلا أنهم يشيرون إلى أنهم «قادرون على استنهاض قواعدنا وقت اللزوم، مستعينين بالشيخ سعد الحريري لتثبيت هذا الحضور، على شاكلة ما حدث في القلمون الشهر الماضي، ووقت إعلان اللوائح الانتخابية في الشمال، عندما تحولت زيارات الحريري إلى أشبه ما يكون بالتظاهرة أو العرس».
لكن مصادر سياسية مطّلعة أوضحت لـ«الأخبار» أن المستقبل «غير قادر على إعادة تكرار مشهد 2005 ثانية في الشمال، لأن الظروف والعوامل التي ساعدته حينذاك لم تعد موجودة، وهو يعرف تماماً أن خصومه الكثر يقفون له بالمرصاد لتصفية حساباتهم معه، عدا عن أن الجماهير التي سارت خلفه من غير أن تناقشه في بعض التفاصيل باتت لها وضعيات مختلفة، فالماء الذي توضّأ به المستقبل قبل أربع سنوات لا يمكن الاستعانة به مجدداً، وعليه البحث عن ماء بديل».
وتؤكد المصادر أن المستقبل «إذا لم يتعاطَ بعقلانية مع المتغيرات الكثيرة التي طرأت، وبقي يتعامل بفوقية وغرور مع الآخرين فإنه مقبل على خسارة مدوّية، وأنه حتى لو اضطر النائب الحريري للقدوم إلى طرابلس والشمال قبل الانتخابات من أجل أن يشكل رافعة لمرشحيه، وتجول في عاصمة الشمال وقراه من حي إلى آخر ومن بيت إلى بيت، مثلما يهدد مناصروه خصومهم، فإنه سيخرج من الانتخابات بإحدى نتيجتين: أولاهما تعرّضه فيها لنكسة لن يكون تعويضها سهلاً عليه لاحقاً، لأن القوى السياسية المناوئة له تخوض معركتها على أرضها وبالأصالة عن نفسها وجمهورها وتاريخها وحضورها السياسي، فيما يخوضها الحريري خارج ساحته، كذلك فإن نوابه يخوضونها بالوكالة عنه لا بالأصالة عن أنفسهم، وهو فارق يدرك الحريري وفريق عمله أنه لا يصبّ في مصلحتهم بالإجمال».
أما النتيجة الثانية لعدم تعاطي المستقبل بموضوعية مع واقع الانتخابات المقبلة، وفق المصادر ذاتها، وسعيه للقبول والتعايش مع قوى سنية فاعلة في دوائرها، وتشكيل قاعدة ائتلاف سنّية واسعة معها في زمن الاصطفافات الطائفية والمذهبية التي يشهدها لبنان، فذلك يعني أنه «سيخوض الانتخابات على قاعدة إما قاتل أو مقتول، وأنه سيخرج منها، ولو كان فائزاً، مثخناً بالجراح التي لن يتعافى منها قبل مرور وقت طويل، فضلاً عن أنه سيفقد الغالبية النيابية التي يتمتع بها حالياً وفق ما تشير أغلبية استطلاعات الرأي والتقديرات، في موازاة استعادة القوى السنية المناوئة له قوتها بعدما تكون قد استنهضت قواعدها، مع احتمال كبير لبروز مشهد انقسام على الساحة السنية عقب الانتخابات، مترافق بتصاعد القوى الأصولية، يشبه ذلك الذي عاشته الساحة المسيحية منذ توقيع اتفاق الطائف، ولا تزال».