نقولا ناصيفخرج وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير من اجتماعه ونظيره السوري وليد المعلم الثلاثاء الفائت (22 نيسان) غير مرتاح إلى ما سمعه منه. كرّر المعلم مواقف حكومته من تسوية الأزمة اللبنانية والعلاقات السورية ـــــ الفرنسية، ولم يوحِ لمحدّثه أنه التقط مغزى الاجتماع الرفيع الأول بين البلدين مذ أعلن الرئيس نيكولا ساركوزي في قمة شرم الشيخ في 30 كانون الأول الفائت قطع الاتصال بسوريا. كانت الإشارة التي رمت إليها باريس من العودة إلى الحوار مع دمشق مزدوجة: أن القطيعة قائمة على صعيد رئيسَي البلدين لا على صعيد وزرائهما، وأنها تأمل من مشاركة سوريا في مؤتمر دول جوار العراق في الكويت أن تكون مناسبة كي تعيد تذكيرها بما حضّتها عليه والمجتمع الدولي وهو المساعدة الإيجابية على إنهاء الأزمة اللبنانية من خلال اتخاذ سلسلة خطوات في هذا الاتجاه. كانت تلك أيضاً الغاية من الاجتماع مع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي. ولم تشأ باريس من تغييب دعوة الوزيرين السوري والإيراني إلى اجتماع «أصدقاء لبنان» على هامش اجتماع دول جوار العراق إلا إشارة قوية وإضافية إلى موقفها من دوريهما السلبي في الأزمة اللبنانية.
لكن وقائع من الحوار الذي دار بين كوشنير والمعلم أظهرت استمرار التناقض والتباعد في موقفيهما. وبحسب معلومات لـ«الأخبار» عن مداولات الوزيرين، كان اجتماعهما الذي سبق اجتماع «أصدقاء لبنان» متشنّجاً، وأخفق في إحداث اختراق في أزمة العلاقات الفرنسية ـــــ السورية. وفي حصيلة ما تبادلاه ظهرا أكثر تصلّباً في مواقفهما السابقة. وتبعاً لما رشح من معلومات، سمح اللقاء ـــــ وإن لم يتّسم بأدنى إيجابية ـــــ للطرفين بعرض تناقضات مواقفهما حيال لبنان، أكثر مما ساعد في التعاون وإحياء المبادرة العربية ووضعها موضع التنفيذ.
استهل المعلم الاجتماع بتوجيه انتقاد إلى المواقف الفرنسية الأخيرة، وتراجع باريس عن استكمال حوار كانت قد بدأته مع سوريا بشأن لبنان، وتراجعها كذلك عن تحسين العلاقات الفرنسية ـــــ السورية، وبدت بحسب المعلم كأنها تخلّت عن إرادة الحوار، الأمر الذي رأته سوريا مؤسفاً بعدما لاحظت أن الاتصالات التي أجراها البلدان في وقت سابق كانت مثمرة. وقال المعلم لنظيره إن فرنسا تتحمّل مسؤولية توقف الحوار، وإنها ارتكبت خطأ تجميده. وسأل عن دوافع هذا الموقف بعدما كان ذلك الحوار مفيداً وأحرز تقدّماً.
جواب كوشنير أنه لا يوافقه رؤيته هذه، بل إنه سبق أن حصل اتفاق عام على إنهاء الأزمة اللبنانية من خلال التوافق على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان للرئاسة اللبنانية، فلم تساعد سوريا على إنجاح انتخاب المرشح التوافقي. وعبّر عن عدم ارتياحه إلى عرقلة تنفيذ المبادرة العربية، متسائلاً بدوره عن مبرّرات هذه العرقلة. وقال كوشنير بضرورة اتخاذ دمشق خطوات سريعة وإيجابية لتسهيل تنفيذ المبادرة وعدم الاستمرار في تمديد الأزمة وجولات التفاوض السياسي الدائرة على فراغ.
وقال لمحدّثه السوري إن الجميع، في لبنان وخارجه، يريدون تسوية مشرّفة للجميع، بما في ذلك سوريا، تمثّل مخرجاً من الأزمة القائمة، مركزاً على أن هذه التسوية تقوم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب. وأضاف أنه لا يرمي كلامه في الهواء، وأن على المعنيين بالأزمة، وخصوصاً سوريا، بذل الجهود حيال المبادرة العربية ووضعها موضع التنفيذ. ولاحظ كوشنير أن المبادرة واضحة، لا تحتمل التباساً ولا تنطوي على غموض، والتردّد حيالها غير مقبول.
إلا أن المعلم، متفادياً التطرّق مباشرة إلى المبادرة العربية، لمّح إلى أن اللبنانيين في حاجة إلى حلّ آخر عندما تحدّث عن مبادرة رئيس المجلس نبيه برّي للحوار الوطني، داعياً إلى تشجيع الأفرقاء اللبنانيين على الانخراط فيه. وشدّد على ضرورة تجاوب هؤلاء مع اقتراح برّي. ومع أن المعلم لم يسهب في الحديث عن المبادرة العربية، ولا اعتبرها إطاراً وحيداً للتسوية، ولا قال إن بلاده تنعاها، لاحظ الوزير الفرنسي أن مقاربة دمشق لها تشعرها وكأن المبادرة أضحت في نظر سوريا من الماضي، الأمر الذي حمل كوشنير على تكرار السؤال عن دوافع عدم مباشرة تنفيذها.
وفي موقف بدا مفاجئاً للوزير الفرنسي، توقّع المعلم أن تكون إعادة النظر في قانون الانتخاب، ومن ثم الانتخابات النيابية عام 2009 في صدارة الحدث السياسي في لبنان في المرحلة المقبلة، واعتبر الشأنين موضوعين بالغي الأهمية سيحتلان الأولويات. وانتقد المملكة السعودية والولايات المتحدة لانحيازهما إلى قوى 14 آذار. فردّ كوشنير بأن واشنطن تريد حلاً للأزمة، لكن ليس على حساب قوى 14 آذار التي تمثّل الغالبية النيابية، ولن تقبل كذلك حلاً يطيح رأسها. وذكّره بأن الزيارة السرّية التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لدمشق كانت إشارة من الرياض تنمّ عن رغبتها في فتح الحوار معها في الموضوع اللبناني، إلا أنها لم تلق آذاناً صاغية.
لكن المعلم كرّر موقفه الداعي إلى التجاوب مع مبادرة برّي وجلوس اللبنانيين إلى طاولة الحوار والاتفاق على المشكلات العالقة وأخصّها قانون الانتخاب تمهيداً لانتخابات السنة المقبلة، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود مسعى أميركي لإحباط هذا الحوار ومنع قوى 14 آذار من ملاقاة مبادرة برّي، وحذّر من اقتراب لبنان من حافة الهاوية جراء استمرار أزمته.
وقبيل انتهاء اجتماع الوزيرين الفرنسي والسوري دعا الأول نظيره للانضمام إلى اجتماع «أصدقاء لبنان» الذي سيلتئم في الدقائق التالية، ويضم دولاً غربية وعربية ومنظمات دولية وعربية، قائلاً للمعلم: إذا كنتم جادين في مساعدة لبنان على الخروج من أزمته، فإنني أدعوك للانضمام إلى اجتماع «أصدقاء لبنان» مع سائر أصدقائه المشاركين فيه.
ردّ المعلم بالتحفّظ، وعزا السبب إلى اثنين: أولهما وصول الدعوة متأخرة قبل دقائق من التئام الاجتماع، وثانيهما عدم موافقة دمشق على التوجّه الذي كان يسود سلفاً مسار اجتماع «أصدقاء لبنان».