strong>حيفا ـ فراس خطيبرام الله ـ أحمد شاكر
غزة ـ رائد لافي
انفجرت آلام الفلسطينيين ومعاناتهم في القدس المحتلة أمس. مقاوم ثأر لدماء أطفال غزة ونسائها وشيوخها. تجاوز ما تسمّيه سلطات الاحتلال «إجراءات أمنية مشددة». اقتحم «مدرسة دينية». فتح النيران على من كان داخل قاعة الطعام فيها. قتل ثمانية وجرح أكثر من 9 آخرين... قبل أن يستشهد.
عملية نوعية تتجاوز من حيث أهميتها بعدها الانتقامي، الذي لا توازي نتائجه قطرة مما تجرّعه الفلسطينيون، ولا يزالون، على أيدي الاحتلال. أثبتت، بالبرهان القاطع، أن المقاومة الفلسطينية لا تزال تمتلك زمام المبادرة وأنها قادرة على تسديد ضربات مؤلمة، في العمق الإسرائيلي، حين تأخذ القرار. بل أكثر من ذلك، لقد أسقطت مقولة الاحتلال بأنه تمكّن من إنهاء المقاومة في الضفة الغربية.
جهود التهدئة، التي تقودها مصر نيابة عن إسرائيل، وبرضى الولايات المتحدة، لم تقف حائلاً دون تنفيذها. جهود بدأت أمس في العريش، حيث عُقد لقاء بين مسؤولين مصريين وآخرين من «حماس»، لمناقشة عرض القاهرة وقف الصواريخ في مقابل وقف إسرائيل لـ«الهجمات العسكرية» وتخفيف الحصار وإعادة فتح المعابر الرئيسية بين الضفة والقطاع، ومعها المعبر الحدودي عند رفح.
رواية العملية
تمكّن مقاوم فلسطيني من اختراق التحصينات الأمنية الإسرائيلية لينفذ عملية نوعية معقّدة في قلب القدس الغربية المحتلة ويقتل 8 إسرائيليين ويجرح 9 آخرين، خمسة منهم جراحهم خطرة، قبل أن يستشهد.
وتروي مصادر أمنية إسرائيلية أن المقاوم وصل عند الساعة الثامنة وثلاثين دقيقة إلى مدرسة تعاليم «مركاز هراف»، في حي «كريات موشيه» في القدس الغربية. كان يرتدي بنطلون جينز وسترة عادية، حاملاً صندق كرتون يحتوي على سلاح رشاش أوتوماتيكي وذخيرة، حيث تعاطى بهدوء مع المجريات. وعندما اقترب من مدخل المدرسة، أخرج السلاح من الصندوق وبدأ إطلاق النار في كل الاتجاهات ودخل إلى قلب المدرسة «تماماً مثل أفلام الأكشن الأميركية»، كما قال شاهد عيان.
وأشارت التقديرات إلى وجود ما يقارب ثمانين تلميذاً داخل المدرسة، مفرّقين على عدة أقسام، واستمر إطلاق النار عدة دقائق، غالبيته في غرفتي الطعام والمكتبة. وساد التوتر وحالة من الهستيريا المبنى، ما دفع الكثير من التلاميذ إلى الهروب من المداخل الخلفية للمكان ومنهم من قفز عن علو خشية تعرّضه لإطلاق النار.
في أعقاب إطلاق النار، هرعت إلى المكان قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية والوحدات الخاصة. وعند وصولها إلى المدرسة تبادلت إطلاق النار مع المقاوم الفلسطيني، ما أدّى إلى استشهاده.
وذكرت مصادر أمنية إسرائيلية أن منفذ العملية هو فلسطيني، من سكان حيّ جبل المكبر في القدس الشرقية المحتلة، الذين يحملون الهويات الزرقاء الإسرائيلية لكنهم لا يحملون المواطنة الإسرائيلية. وأشارت إلى أن الهوية الزرقاء «سهّلت على منفذ العملية كثيراً».
وفيما ذكرت «يديعوت أحرونوت» أن «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة «فتح» تبنّت العملية، ذكرت قناة «المنار» أن «كتائب أحرار الجليل ـــــ مجموعة الشهيد مغنية وشهداء غزة» تبنت العملية. إلا أنها لم تعط توضيحات عن كيفية ورود التبنّي.
يذكر أن المدرسة المستهدفة «يشيفات مركاز هراف»، قد أسسها «الحاخام الأكبر» الأول لإسرائيل الرابي أفراهام يتسحاق هكوهين كوك في عام 1924، كمركز روحاني للصهيونية الدينية، وتعمل على دمج التوراة مع ما يسمى «نهضة شعب إسرائيل» في البلاد. وتعدّ المدرسة أحد أكبر مراكز التوراة في الدولة العبرية، ويسكنها المئات من الطلاب. وقد تخرّج من المدرسة كبار قادة المستوطنين والحاخامات في المستوطنات.
وجاءت العملية بعد ساعات من نجاح المقاومة في قتل جندي إسرائيلي وجرح ثلاثة آخرين بتفجير سيارتهم العسكرية، فيما اغتالت قوات الاحتلال مقاوماً من «سرايا القدس» التابعة للجهاد الإسلامي، التي تبنّت قتل الجندي.
وبالتزامن مع العملية الفدائية في القدس، اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي أربعة مقاومين من «سرايا القدس»، بعد استهدافهم بعدة قذائف في بلدة القرارة، جنوب قطاع غزة. وقالت مصادر محلية وشهود إن قوات الاحتلال الإسرائيلي منعت الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف من الوصول إلى المنطقة لإخلاء الشهداء.
ردود ومواقف
وفور شيوع نبأ عملية القدس، عمّ الفرح أرجاء غزة والضفة الغربية، وأطلق مسلحون فلسطينيون النار في الهواء في شوارع مدن غزة. ووجه عناصر من «حماس» في غزة عبر مكبرات الصوت «التحية لمنفذي العملية الاستشهادية في القدس المحتلة».
وفي الضفة، أطلق مقاومون من «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، و«كتائب شهداء الأقصى»، التابعة لحركة «فتح»، زخات من الرصاص في الهواء وخرجوا إلى الشوارع لإعلان فرحتهم، ووزعوا الحلوى على السكان وعلى سائقي السيارات، فيما خرجت العديد من النساء يزغردن في الشوارع ويتبادلن التهاني بالعملية التي وصفوها بالرد الموجع على جرائم الاحتلال ومحرقته بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
وشدد المتحدث باسم «سرايا القدس» في الضفة الغربية، أبو مجاهد، على أن العملية في القدس المحتلة «بشرى نصر للمجاهدين في فلسطين»، مشيراً إلى أن الهجوم وتخطي الحواجز الإسرائيلية بحد ذاته في هذا الوقت انتصار للمقاومة. وأوضح أن العملية «ستكون درساً لإسرائيل بأن دماء الفلسطينيين ليست رخيصة وأن مقاومة الشعب الفلسطيني قادرة على الرد على جرائم الاحتلال وعدوانه ولا توقفها الاغتيالات والاعتقالات».
ورأى المتحدّث باسم «حماس»، سامي أبو زهري، أن الهجوم «رد فعل على جرائم الاحتلال والمجزرة ضد المدنيين في غزة».
وقال المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية المقالة، طاهر النونو، إن «الحكومة تحمّل الاحتلال الإسرائيلي و(رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود) أولمرت و(وزير الدفاع إيهود) باراك مسؤولية العملية التي وقعت في القدس المحتلة». وأضاف «كنا قد حذرنا من مغبة التصعيد ونتائجه، وقلنا اتقوا غضبة الشعب الفلسطيني إذا غضب».
وفي لبنان، أطلق مسلحون النيران في مخيّم عين الحلوة النار في الهواء، فيما خرج عشرات إلى شوارع المخيم مهللين لـ«أبطال فلسطين» ووزعوا الحلوى.
بدوره، أدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس العملية. وقال رئيس دائرة المفاوضات في منظّمة التحرير، صائب عريقات، إن الرئيس الفلسطيني «يدين هجوم القدس الذي أودى بحياة إسرائيليين كثيرين، ويؤكد مجدداً إدانته لكل الهجمات التي تستهدف مدنيين سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين».
إسرائيلياً، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، اري ميكيل، إن «الإرهابيين هاجموا مدرسة وأبرياء. إنهم يحاولون القضاء على فرص السلام». وأضاف «سنستمر في مكافحة الإرهاب».
وأدانت الولايات المتحدة وفرنسا والمنسّق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا هجوم القدس.
لقاء العريش
ووقعت العملية الفدائية في القدس بعد وقت قصير على عودة وفدي حركتي «حماس» والجهاد الإسلامي إلى غزة بعد إجرائهما مباحثات منفصلة مع القيادة المصرية في مدينة العريش المصرية في خصوص التهدئة مع الاحتلال، وفتح معبر رفح الحدودي بين القطاع ومصر.
وقال طاهر النونو لـ«الأخبار»: «تم خلال المباحثات التأكيد على موقف الحكومة (المقالة) بأن هناك ثلاثة شروط لتحقيق التهدئة، وهي أن تكون متبادلة ومتزامنة، وتشمل وقف كل أشكال الاعتداءات الإسرائيلية، وأن تتضمن فتح المعابر وفك الحصار»، مشدداً على أنه «لا تهدئة مجانية».
وفي خصوص الموقف الرسمي المصري من شروط «حماس» والحكومة لتحقيق التهدئة، أكد النونو أن «المصريين يرون هذه المطالب عادلة ولا بد من تحقيقها»، مشيراً إلى أنهم وعدوا الوفد بالرد على هذه الشروط بعد عرضها على دولة الاحتلال.
وفي شأن معبر رفح، أشار النونو إلى أنه «تم البحث في آليات فتحه، بما يشمل موضوع المراقبين الأوروبيين الذين لا تمانع الحكومة بعودتهم إلى المعبر، شريطة أن لا يتحكموا في فتحه وإغلاقه، وأن يقيموا في العريش أو غزة بدلاً من الإقامة في دولة الاحتلال». وأشار إلى أن «الوفد أبدى مرونة كبيرة في شأن الموظفين في المعبر، حيث لا تمانع الحكومة من عودة الموظفين السابقين من غير المدانين بقضايا فساد»، مضيفاً أن متابعة الموظفين في المعبر ستكون من اختصاص الحكومة رغم أنهم يمثلون الرئاسة.