شرح رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة في مؤتمره الصحافي أمس فهمه لمشكلة الكهرباء المستفحلة في لبنان، فرأى أن الحق على الناس الذين «يعلّقون على الشبكة العامة، ويضغطون على المحوّلات، فتنفجر هذه المحولات، وينقطع التيار، ثم ينزلون الى الشارع، ويقولون إن الكهرباء مقطوعة، وبذلك يحتجون على عمل قاموا به».إذاً، مشكلة الكهرباء سببها الناس أنفسهم. وطبعاً، يقصد الرئيس السنيورة سكان الضاحية الجنوبية تحديداً، المتّهمين بسرقة الكهرباء، وأراد بشرحه هذا أن يضع التحرّكات الاحتجاجية المتنقّلة بين الأحياء، والتي وصلت إلى بيروت منذ يومين، في إطار «الممارسات التي تعبّر عن عملية التدمير المنهجية»، والتي «تتستّر بمشكلة الكهرباء تارة والخبز تارة أخرى»، ولكن، بحسب السنيورة، لن تنطلي هذه الممارسات على أيّ لبناني «على درجة عالية من الذكاء، ولا يقبل الاستهزاء بذكائه ومعرفته بخلفيات هذه الأعمال التي جُرّبت وأوصلت البلاد الى مزيد من التردّي والشحن والتهديد بالفتنة».
والمعروف أن الحكومة تتّخذ من «سرقة الناس للكهرباء» ذريعة لممارسة نوع من التمييز الكهربائي ضد بعض المناطق، ولا سيما خارج بيروت الإدارية، حيث تصل معدّلات التقنين في بعض الأحياء والقرى الى أكثر من 12 ساعة يومياً، فيما تنعم أحياء واسعة في بيروت بتغذية كهربائية على مدار الساعة، ولا يتجاوز التقنين في أحياء أخرى محظية، 3 ساعات حداً أقصى... ولا تقتصر أهداف هذا التمييز على «العقاب السياسي» أو «الحرمان» الممارس تاريخياً، بل تتجاوز ذلك الى استهداف مناطق تتميز بالكثافة السكانية بهدف فرض التقشّف على مؤسسة كهرباء لبنان، والحد من استهلاكها للوقود المستعمل في إنتاج الطاقة في المعامل، التزاماً بالاتفاق المعقود مع صندوق النقد الدولي الذي يفرض تقليص نفقات الموازنة والحدّ من التحويلات المالية الى قطاع الكهرباء، وهذا ما تؤكّده سياسة الامتناع عن فتح الاعتمادات في مواقيتها لاستيراد المازوت والفيول أويل.
لقد وصلت أزمة الكهرباء في لبنان الى مستوى «الأزمة الشاملة»، وبالتالي فإن تنامي ظاهرة «السرقة على الشبكة العامة» غير مفصول عن أسباب هذه الأزمة. وبحسب الإحصاءات لدى مؤسسة الكهرباء، فإنّ معدلات السرقة ارتفعت من 18 في المئة من الطاقة المنتجة في عام 2005 الى حوالى 25 في المئة حالياً. إلا أن اللافت في هذه الإحصاءات هو مشاركة جميع المناطق في السرقة، وإن بنسب متفاوتة قليلاً، وبالتالي فهي لا تنحصر في الضاحية الجنوبية كما يشاع، إذ إن المعدلات المسجّلة فيها (31 %) تقترب مما هو مسجّل في عكار وإقليم الخروب والجنوب والبقاع الغربي وزغرتا وبشرّي... إلا أن الكثافة السكانية في الضاحية تجعل كمية الطاقة المسروقة أكبر مما هي في بقية المناطق.
وبحسب هذه الإحصاءات فإن معدلات السرقة في بيروت الإدارية وصلت الى 10 في المئة، إلا أن المؤشر الأهم في هذا السياق يكمن في تراجع نسبة تحصيل الفواتير من 97 في المئة قبل ثلاث سنوات الى 68 في المئة حالياً، وهذا ما يكبّد المؤسسة خسائر كبيرة نظراً لتركّز الاستهلاك الكبير للكهرباء في العاصمة.
وتقول مصادر في وزارة الطاقة إن القطاع العام هو من السارقين الكبار للكهرباء، إذ إن مليارات الليرات المستحقة على الوزارات والمؤسسات العامة والبلديات ومصالح المياه والمخيمات غير مسدّدة، وترفض وزارة المال اقتطاعها من موازنات هذه الإدارات وتسديدها مباشرة الى المؤسسة.
ويغفل الرئيس السنيورة في شرحه، كل الأسباب الفعلية التي أدّت الى الأزمة الشاملة في قطاع الكهرباء، على الرغم من ادعائه إنفاق أكثر من 11 مليار دولار على هذا القطاع منذ إطلاق أضخم مشروع لإعادة تأهيل الكهرباء في لبنان عام 1991.
إنّ الناس يضطرّون الى سرقة التيار الكهربائي بسبب السياسات الجائرة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، ولا سيما السياسات الضريبية، التي كان السنيورة مهندسها الرئيس، والتي رتّبت أكلافاً معيشية باهظة على الفقراء وذوي الدخل المحدود، كما أنهم يضطرون الى ذلك بسبب فواتير الكهرباء المرتفعة المفروضة عليهم في ظل خدمة متردّية جداً. وتشير دراسة للبنك الدولي الى أن قطاع الكهرباء يراكم ديناً كبيراً من دون أن يحقّق نتائج تذكر، وتشير التقديرات الى أن انقطاع التيار الكهربائي يكلف الصناعة ما يقارب 400 مليون دولار خسائرَ في المبيعات. والإنفاق الإضافي على البدائل والخسائر في العائدات لهما تأثيرات سلبية واضحة على المستهلك، إذ إنّهما يرتّبان أكلافاً تساوي 25 في المئة إضافية على إنفاق السكان الشهري على الكهرباء.