strong>محمد زبيب
• «الأخبار» تنشر تقرير لجنة معالجة مشكلة الزراعات الممنوعة في البقاع
تنتقل «لجنة معالجة مشكلة الزراعات الممنوعة في البقاع» في تقريرها المرفوع إلى مجلس الوزراء، من نظرة موضوعية لأزمة الزراعة في بعلبك الهرمل، والتلميح إلى عدم وجود حقيقي لزراعات بديلة من زراعة الحشيشة في هذه المنطقة... إلى نظرة طوباوية ـــ أخلاقية وزجرية ـــ بوليسية للوسائل التي يجب اعتمادها في مواجهة المزارعين، مروراً باقتراحات «استثمارية» تشكل خطراً على البيئة والنسيج الاجتماعي الريفي... في ما يلي الجزء الثالث من تقرير اللجنة

إن تشجيع التجمعات الزراعية والحرفية على تنفيذ المشاريع الإنتاجية الصغيرة وتقديم المساندة لها، من شأنه أن يؤدي إلى تحسن المستوى المعيشي لدى المزارع وحثه على الابتعاد عن الزراعات الممنوعة. لذلك ينبغي التعاون بين القطاع الأهلي ومؤسسات القطاعين العام والخاص والمنظمات الدولية المعنية بتنفيذ مشاريع التنمية في لبنان، من أجل تقديم المشورة والمساندة للمزارع، وخصوصاً في المجالات التالية:
ـــــ توفير المعلومات والإرشادات لاعتماد الزراعات وطرق الإنتاج المناسبة (وزارة الزراعة، مؤسسات البحوث، غرف التجارة والصناعة والزراعة).
ـــــ توفير المعلومات عن الأسواق: الأسعار، شروط الجودة ومواصفاتها، عناوين المستوردين في أسواق التصدير، المعارض الزراعية (مؤسسة إيدال، غرف التجارة والصناعة والزراعة).
ـــــ التعاقد مع المصنعين والموزعين أو المصدرين (مؤسسة إيدال، غرف التجارة والصناعة والزراعة، وزارة الزراعة، وزارة الاقتصاد والتجارة).
ـــــ إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية وتسهيل الحصول على القروض الميسرة من خلال التنسيق مع شركة كفالات (حاضنات الأعمال، وزارة المالية، مراكز البحوث).
4 ـــــ الري واستصلاح الأراضي
لا يمكن تحقيق نقلة نوعية في إدخال زراعات جديدة ما لم يترافق ذلك مع الانتقال التدريجي من الزراعة البعلية إلى الزراعة المروية، ولو جزئياً. فضعف مردود الزراعات الجافة من شأنه أن يكون في أساس اللجوء إلى الزراعات الممنوعة التي تعطي مردوداً مالياً هاماً حتى في الأراضي الضحلة والبعلية. فالري التكميلي عنصر إضافي ومكمل، والبقاع يحوي العديد من الموارد المائية السطحية والجوفية القادرة على زيادة رقعة الأراضي الزراعية الخصبة وتوسيعها من خلال التقنيات التالية:
* زيادة كمية مياه الري المتوافرة سنوياً، وتثمير تقنيات التقاط المياه وإنشاء شبكات التوزيع وتحسينها وترشيد وسائل الري والاستفادة من مياه العاصي واليمونة واللبوة.
* استصلاح الأراضي الزراعية في القسم الشمالي من سهل البقاع وتأهيلها، ما يستدعي التخلص من البحص والحجارة وزيادة نسبة المواد العضوية في التربة من خلال التسميد الأخضر.
* حماية الأراضي من التعرية عبر تدخلات متخصصة ومناسبة لكل منطقة مثل: زراعة الأشجار المثمرة في مدرجات وجلول، وحواجز ميكانيكية ويدوية وألسنة حجرية، وأحواض فردية ومعالجة منطقة آخر مجرى السيل، والزراعة على حواف المجاري.
5ـــــ تحفيز الاستثمار في منطقة بعلبك الهرمل
إن تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجالات الزراعة والتصنيع الزراعي والسياحة البيئية في منطقة بعلبك الهرمل سوف يؤدي إلى إنعاش الوضع الاقتصادي في المنطقة وخلق فرص إضافية للعمل ورفع المستوى المعيشي للسكان ودفعهم إلى الابتعاد عن زراعة الممنوعات.
وحيث إن الحكومة اللبنانية تدرك أهمية تشجيع الاستثمارات وتأمين مناخ جيد للمستثمرين في المناطق كل اللبنانية، فقد وضع القانون الرقم 360 لتشجيع الاستثمارات، أوكلت بموجبه إلى المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (ايدال) مهمة دراسة المشاريع الاستثمارية ومنح المستثمرين الحوافز التنافسية.
وترتكز ايدال في إخضاع المشاريع الاستثمارية على أحكام قانون تشجيع الاستثمارات في لبنان على معايير محددة، منها الموقع الجغرافي للمشروع، والقطاع المعني وحجم الاستثمار والأثر الاقتصادي والاجتماعي للمشروع ودوره في الحفاظ على البيئة واستدامة الموارد الطبيعية وأثره على العمالة اللبنانية وإيجاد فرص عمل جديدة بالإضافة إلى تسهيل نقل التكنولوجيا وتوفير التدريب المهني وغيرها. لكن الحوافز المخصصة للمشاريع الاستثمارية في منطقة بعلبك الهرمل (المنطقة «ج») لم تشجع المستثمرين حتى اليوم على الانتقال إلى هذه المنطقة، لذلك ينبغي التشاور مع مؤسسة «ايدال» من أجل رفع سقف الحوافز للمشاريع الاستثمارية في تلك المنطقة أو تخصيصها بالحد الأقصى من الحوافز ضمن نظام عقود سلة الحوافز الواردة في المادة 17 من القانون 360 التي تخصص عادة للمشاريع الكبيرة، ومنها:
ـــــ إعفاء كامل من الضريبة على الدخل وعلى توزيع أنصبة الأرباح الناتجة من المشاريع، وذلك فترة تصل إلى عشر سنوات بدءاً من تاريخ مباشرة استثمار المشروع.
ـــــ منح إجازات عمل من كل الفئات، شرط أن يحافظ المشروع المستفيد من عقود سلة الحوافز على العمالة الوطنية عبر توظيف لبنانيين وتسجيلهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
ـــــ خفض رسوم رخص البناء بالنسبة إلى الأبنية المنوي تشييدها واللازمة لتحقيق المشروع الاستثماري المستفيد من أحكام عقود سلة الحوافز بنسبة تصل إلى50% كحد أقصىـــــ إعفاء كامل من رسوم تسجيل العقارات في السجل العقاري ومن رسوم الإفراز والضم والفرز والتأمين العقاري ورسم تسجيل عقود الإيجارات في السجل العقاري بالنسبة إلى العقارات التي ستشيد عليها المشاريع موضوع عقود سلة الحوافز، شرط التعهد بتنفيذها خلال مهلة خمس سنوات من تاريخ تسجيل العقارات في السجل العقاري تحت طائلة إلزام المستثمر المتخلف عن تنفيذ مشروعه دفع غرامة توازي ثلاثة أضعاف الرسوم التي كانت متوجبة أصلاً.
بعد التوصل إلى رفع سقف الحوافز، ينبغي الطلب من مؤسسة إيدال لوضع مشروع للترويح والتسويق لمنطقة بعلبك الهرمل وتشجيع الاستثمار فيها، بعد التأكد من توفير البنى التحتية المطلوبة ومن خلال التشاور والتنسيق مع البلديات والهيئات الأهلية المعنية بالمنطقة.
وتتمتع منطقة بعلبك الهرمل بمزايا متعددة أهمها توافر المساحات الزراعية الواسعة، وتعدد المناخ وتوافر اليد العاملة والقرب من الحدود البرية، ما يسمح بدراسة إمكان إنشاء منطقة حرة مع البنى التحتية المطلوبة وتخصيصها بالإعفاءات والحوافز، شبيهة بتلك القائمة في معظم الدول العربية مثل مصر والأردن ودبي.
بالإضافة إلى ما تقدم، تضم منطقة بعلبك الهرمل معالم طبيعية وأثرية عديدة يمكن تطويرها من خلال تنفيذ مشاريع التحريج وإنشاء المحميات الطبيعية، التي يمكن استغلالها لغايات السياحة البيئية وتشجيع المستثمرين على إنشاء الفنادق والمطاعم في المنطقة أو من خلال تشجيع الشركات السياحية في لبنان والدول المجاورة على تنظيم الزيارات الميدانية إلى تلك المنطقة.
6ـــــ التوعية الاجتماعية وتحريم الزراعات الممنوعة
«يجب أن يعي كل مزارع أن في كل نبتة منتجة للمخدر مكان وسبب لتدمير حياة شباب أو شابة أو عائلة بأكملها». نجح في لبنان ولفترة محدودة في حملته للقضاء على زراعة المخدرات، إلا أنه لم ينجح في استئصال زراعة المخدرات بالاستناد إلى المبادرات والمشاريع الجزئية التي اعتمدت منذ مطلع التسعينيات.
وقد تعددت أسباب العودة إلى الزراعات الممنوعة في هذه المنطقة، وهي إضافة إلى التهميش الاقتصادي والاجتماعي التي تعانيه المنطقة، تعود أيضاً إلى غياب التوعية الاجتماعية والصحية وغياب القوانين الرادعة التي تفرض عقوبة على المخالفين من المصنعين والتجار، وتنفيذ عمليات التلف الانتقائية في بعض المناطق، وتركها في مناطق أخرى نائية.
إن مقولة أن لبنان بلد «ينتج المخدرات ولا يتعاطاها» هو تبرير غير مقبول، وقد أكدت الدراسات الميدانية أن الطريق إلى المخدرات يبدأ في أحيان كثرة بزراعتها.
إن معالجة مشكلة الزراعات الممنوعة لا يمكن فصلها إذاً عن مكافحة آفة المخدرات بكل جوانبها (زراعة، وصناعة وترويجاً وتعاطياً). فهي سلسلة مترابطة يجب تناول أثرها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والصحي ككل. كما يجب أن تأخذ بعين الاعتبار السلوكية التقليدية العشائرية التي تحكم العلاقات الاجتماعية في منطقة بعلبك الهرمل المعتمدة أساساً على الاقتصاد الريفي في بيئة جافة تفتقر إلى الخدمات والاستثمارات.
تتوزع المسؤولية في معالجة هذا الجانب الاجتماعي على مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والمؤسسات الدينية ووزارات الشؤون الاجتماعية والصحة والزراعة والداخلية للقيام بالخطوات التالية، كل وفق اختصاصه:
ـ تكثيف برامج التوعية من الجمعيات الأهلية مع المزارعين وأفراد العائلة كافة، حول مخاطر الزراعات الممنوعة وآثارها السلبية في المجتمع ومخاطرها على صحة الإنسان.
ـــــ إجراء دراسات ميدانية ـــــ اجتماعية ـــــ صحية تبين العلاقة بين زراعة المخدرات وتصنيعها وتجارتها وتعاطيها، وأثر ذلك على أفراد العائلة.
ـــــ إن أي عملية جدية لمراقبة الزراعات الممنوعة يجب أن تترافق مع بسط كامل لسلطة الدولة على كل المناطق في الجرود كما في السهل دون استثناء. كما يجب أن تترافق هذه الجهود مع تدابير رادعة، مثل فرض غرامة على المخالفين، أو تحميلهم تكاليف التلف.



فتاوى دينية

تقترح اللجنة إصدار فتاوى دينية تحرم الزراعات الممنوعة (بالرغم من أن الشعائر الدينية كافة تحرم المخدرات)، على غرار الفتوى التي حرمت جريمة الثأر. إلا إن الفتوى لن تحل مكان القانون، بل تسانده إذا ما تأكدت الإرادة السياسية لدى الدولة وفعاليات المنطقة.


(يتبع غداً الجزء الأخير تليه ملاحظات المحرر)



الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع