strong>البطريرك محبط وكوشنير متوتّر وبان ينتقد المعارضةدخل الاستحقاق الرئاسي مجدّداً في دائرة التعقيد، مما قد يفرض تأجيل الجلسة الانتخابية المقرّرة غداً الى يوم الجمعة، وهو اليوم الأخير من ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. لكنّ الآمال بقيت معلّقة على حصول تقدّم في المساعي الجارية خلال الساعات المقبلة، ولا سيّما منها تلك التي يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي بدا أمس منفعلاً ومحبطاً بعض الشيء.
ولخّصت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» حصيلة محادثات كوشنير بأنّ الوضع بقي مغلقاً تماماً حتى منتصف ليل أمس، وأنّ مصير جلسة الجمعة قد يكون مماثلاً لجلسة الأربعاء المرشّحة للتأجيل، إلا إذا نجح كوشنير في إحداث خرق مفاجئ في مواقف الأفرقاء يحملهم على التوافق على رئيس جديد من داخل لائحة البطريرك أو من خارجها. وعندئذٍ يدعو برّي مجلس النواب في أيّ وقت إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
واختصر مصدر مطلع على التحرك الفرنسي حصيلة جولة كوشنير أمس التي أنهاها بعشاء عند النائب وليد جنبلاط بالقول: «تعقّدت الأمور كثيراً... ولكن». وقال إنّ التعقيد مردّه إلى «الفيتوات» المتبادلة على كلّ اسم يُطرح، أما الـ«ولكن» فهي أنّ اسم ميشال إده «هو أكثر الأسماء تداولاً لأنه على علاقة جيدة بالفرنسيين والأميركيين، كما أن موقفه العدائي إزاء إسرائيل يجعله موضع ثقة المقاومة، وهو على علاقة جيّدة بالبطريرك الماروني، لكنّه مرفوض من مسيحيي الأكثريّة خصوصاً، فيما اعتراض عون عليه يُمكن حلّه بمسعى بابوي».
ولفت المصدر إلى عودة التداول باسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد ميشال سليمان. ومع إشارته إلى إمكان إيجاد حلّ أميركي ـــــ سوري يظهّره الفرنسيون. ونبّه إلى أن كوشنير «المعروف بعصبيته بسبب قلة خبرته الدبلوماسية، مستَفَزّ حالياً بعدما تلقّى ضربة أول من أمس حين رُفضت المقترحات الفرنسية في اجتماع وكالة الدفاع الأوروبية»، إضافة الى استنتاجه أن التفويض الاميركي المعطى للفرنسيين في الملف اللبناني هو «من النوع الخفيف».
وترافق هذا الكلام مع جولة مكوكية لافتة قام بها المرشّح ميشال إده أمس، وشملت صفير وعون ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وخلال لقائه مع عون، حاول إدّه معرفة مآخذ عون عليه بصفته مرشّح تسوية، فرد عون عليه: «إن مشكلتك هي مع سعد الحريري وهو من يرفضك، وإذا حصلت على موافقته يمكننا معاودة الحديث». وحاول إدّه الحصول على موافقة عون، مؤكداً استعداده لتقديم تعهد بالاستقالة بعد سنتين إثر انتخاب مجلس نيابي جديد. إلا أن عون فضَّل عدم تحديد موقف قبل سماع رأي الحريري.

المعارضة متماسكة

وفيما تتزايد الضغوط على المعارضة، أكدت بعض المصادر تماسك قوى المعارضة، ودعمها تمسّك عون بترشيحه. وأضافت المصادر «إن كوشنير يمارس أقسى الضغوط على عون لدفعه الى سحب ترشيحه على قاعدة الرئيس التوافقي وتقصير مدة الرئاسة وغيرها من الصيغ التي اعتبرتها المعارضة فخاً. واكتشفت أن الأميركيين يتدخلون من خلف الستار لدعم ضغط كوشنير على عون، وذلك بعدما سُحب اسما روبير غانم وميشال خوري من التداول».
ولفتت مصادر المعارضة الى ما سُرّب عن تفكك في صفوفها هو بمثابة «نكات سياسية» من مثل الحديث عن تحالف بين بري والحريري والتخلي عن عون و«القوات»، وقالت إن النائب ميشال المر أعلن في لقاء جمعه مع عون صراحة التزامه خيارات رئيس كتلته حيث قال له: «أينما اتجهت أنت، أتّجه معك».
إلى ذلك، وردت عدة إشارات من البطريرك الماروني عن مدى انزعاجه، واتجاهه إلى الانسحاب من لعبة الأسماء والانتخابات، وصولاً إلى تلميح بعض القوى بأن البطريرك يعقد العزم على السفر خارج البلاد لعدة أسابيع، فيما جرت محاولات مسيحية باهتة لعقد «جلسة بأي ثمن» بين عون وجعجع، إلا أنها لم تنجح لأن المعارضة تعاملت معها على أنها من ضمن المحاولات لضرب صدقية ترشيح عون.

الحلّ من الخارج

وسط الأجواء المغلقة محلياً، بدأت الأنظار تتّجه إلى الاتصالات والمشاورات الجارية إقليمياً ودولياً، ومنها ما ورد من معلومات مساء أمس عن اجتماع عقد في مقر الخارجية الايرانية بين وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ونظيره السوري وليد المعلم والموفد الفرنسي جان كلود كوسران. وفي الوقت نفسه، ينتظر أن يزور بيروت اليوم وزيرا خارجية إيطاليا ماسيمو داليما وإسبانيا ميغيل أنخل موراتينوس ليؤازرا كوشنير في مساعيه لتحقيق اتفاق بين الموالاة والمعارضة على الرئيس اللبناني العتيد.
وقال مصدر مطلع على الاتصالات لـ«الأخبار» إن المشكلة هي في الخارج، والمتوقع هو حصول تطورات ما بين واشنطن ودمشق أو بين دمشق وباريس، لأن الأطراف الخارجية المتعاطية الاستحقاق الرئاسي لم تعط «الضوء الأخضر» للأطراف الداخلية، وهذا ما يفسّر عودة هذا الاستحقاق إلى دائرة التعقيد. ورأى المصدر أن الداخل «بات عقيماً».
ومن نيويورك، أفاد مراسل «الأخبار» نزار عبّود أنّ الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون يبدو قلقاً بعد زيارته الأخيرة لبيروت، لكنّه لم يفقد تفاؤله، وإن أصبح هذا التفاؤل أكثر حذراً ممّا كان عليه قبل أسبوع. فبان لا يزال مؤمناً بـ«الالتزام القوي من رئيس البرلمان نبيه بري والنائب سعد الحريري اللذين إذا عملا معاً، فسيجدان حلولاً مشتركة مقبولة من الشعب اللبناني». وأعرب بان عن عدم رضاه للقاءاته مع زعماء المعارضة، ووصفها بأنّها «لم تكن مشجّعة كثيراً». (تفاصيل المشهد السياسي)