برّي وجد المخرج الدستوري والحريري يريد رئاسة الحكومة وعون متمسّك بمبادرته والخوجة يتعهّد «إجماع 14 آذار»
أنجز الرئيس نبيه بري تحضير عدد من المخارج الدستوريّة التي تسمح بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً توافقياً للبنان، في الوقت الذي بدا فيه السجال السياسيّ الخفيّ مسيطراً على المداولات الفعلية للأقطاب المحليّين والأطراف الخارجية، وبرزت مصر لاعباً بارزاً في هذا الملف، في استعادة لما سبق أن نشرته «الأخبار» في الخامس والعشرين من تشرين الأول الماضي، عشيّة وصول وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط الى بيروت للمساهمة في الاتصالات الجارية حول الملف اللبناني.
وأفادت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» أن المبادرة كان قد أعدها رئيس المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان، وذلك بعد سلسلة من المشاورات التي ساعده فيها رئيس المخابرات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي بات خبيراً في الوضع اللبناني. وشملت المشاورات عدداً من العواصم المعنية، بينها فرنسا والولايات المتحدة وسوريا. وقد اطّلع كل من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب سعد الدين الحريري على أجواء المبادرة منذ وقت غير قصير. لكنّ نقاشاً دار لدى الجانبين الأميركي والفرنسي وانعكس في مصر، جعل أبو الغيط يتولّى تنفيس المبادرة أثناء زيارته الى بيروت، وتحوّل الدور المصري الى دور ثانوي.
وتبدي المصادر شكوكاً في ما يردّده أقطاب في فريق الاكثرية عن التزامات قدّمها سليمان الى القيادة المصرية خلال زيارته الى القاهرة ولقائه بالرئيس المصري حسني مبارك قبل مدة. وهي التزامات تتعلق بترك الحكومة بيد فريق 14 آذار، والحصول على ضمانات من حزب الله بالسير في برنامج «قوننة سلاحه» ضمن برنامج يقوم على احترام لبنان تطبيق القرارات الدولية، إضافة إلى ضمان عدم انقسام الجيش وقدرته على مواجهة أي حالات تمرد أو أنشطة إرهابية كما واجه «فتح الإسلام» في نهر البارد.
ولفتت المصادر الى أن الجانب المصري كان يعرض الفكرة كحل انتقالي، كأن يتولى سليمان الرئاسة لثلث أو نصف ولاية. ولكن النقاش توقف عند معارضة البطريرك الماروني نصر الله صفير تكريس مبدأ الولاية المقصرة للرئيس بعدما كُرِّس سابقاً مبدأ الولاية الممدّدة لرئيس الجمهورية في لبنان.
وبحسب المصادر، ينطلق النقاش الآن من وجود قناعة لدى الاميركيين والفرنسيين بصعوبة تمرير رئيس لا يوافق عليه فريق المعارضة في لبنان، الذي يحظى بدعم سوري في هذا المجال، وهو ما تلمّسه موفدو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى دمشق حيث سمعوا كلاماً مباشراً من القيادة السورية قالت فيه إنها تملك وسائل اتصال ونقاش مع القوى الاسلامية في المعارضة، وإن المهم التواصل مع العماد ميشال عون الذي لا صلات بينه وبين دمشق، وهو صاحب القرار النهائي لأن مشكلة الرئاسة في لبنان هي مشكلة مسيحية ولا يمكن تركها للفريق المسلم وحده.
ورغم أن الجانب الغربي فسّر موقف سوريا بأنّه رمي بالكرة عند الفريق الآخر، واعتبر أنّ دمشق تريد الفراغ لكنّها لا تريد أن تكون هي مصدره، فإن النقاش انتقل سريعاً الى البحث عن تسوية من خلال لائحة البطريرك الماروني نصر الله صفير. وانتهت المبادرة الى ما انتهت إليه، ما دفع المعنيين الى فتح الأدراج والعودة الى مقترحات لها حيثيّتها، وأبرزها ما يخص قائد الجيش.
وتلفت المصادر الى أنه بعد الجولة الأولى من تبادل الكرات بين الموالاة والمعارضة بشأن مبدأ ترشيح العماد سليمان، عاد الجميع الى نقطة البحث المركزية، التي تتمحور حولها المواقف على الشكل الآتي:
أولاً: يريد فريق 14 آذار تعديلاً دستورياً لا يعرّض حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لاختبار الاستقالة وتوسيع دائرة الفراغ لتشمل موقع الحكومة بعدما شغر الموقع الرئاسي الأول، وأن تكون الرئاسة لولاية كاملة لا لنصف أو ثلث ولاية.
ثانياً: يريد النائب سعد الحريري ضمانة من قائد الجيش بأن يكون رئيس الحكومة المقبلة من تيار «المستقبل» إذا لم يقرر هو القيام بهذه المهمة، وأن يبقى فريق 14 آذار مسيطراً على معظم المقاعد الوزراية والمحافظة على حصة الفريق المسيحي الحالي تعويضاً له عن عدم انتخاب رئيس من صفوفه.
وعلمت «الأخبار» أن قائد الجيش أجرى أمس اتصالاً بالعماد عون شاكراً له موقفه من دعم ترشيحه والإشادة به وبمواصفاته. لكن سليمان سأل عون عمّا إذا كان هناك إمكان لتوضيح القسم الآخر من حديثه عن ربط الترشيح بمبادرته، موضحاً أنّ أمر تحديد الولاية بفترة زمنية ليس بين يديه بل هو ملك القوى التي ستشكل الإجماع على التوافق، ما فسّره عون بأن سليمان يطالبه بالتخلي عن مباردته وعدم ربط موقفه من ترشيحه بالعمل وفق هذه المبادرة.
وسألت «الأخبار» العماد عون عن موقفه من النقاش القائم فأكد أنه متمسك بدعمه ترشيح سليمان وفق مبادرته، وقال: «إن مبادرتي واضحة ومفصلة وفيها كل الاجوبة عن كل الأسئلة وهي تحتاج الى تفاهم سياسي ولا تتطلب أي نوع من النقاش أو التعديل الدستوريين وإن بمقدور الفريق الآخر الأخذ بها للسير في انتخابات تمنع إطالة أمد الفراغ القائم حالياً».
أحوال الأكثرية والمعارضة
وفي انتظار انطلاق موجة جديدة من المشاورات بين قوى المعارضة بشأن طريقة التعامل مع بندي التعديل الدستوري وتأليف الحكومة الجديدة في حال التوافق على سليمان، نقل عن السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة أنه يضمن مسبقاً موافقة جميع أطراف 14 آذار على دعم ترشيح سليمان، وأن احتمال رفض بعض النواب تأييد التعديل الدستوري أمر مفهوم، لكنه لن يؤثر على جوهر الموضوع. وتولى خوجة سلسلة من الاتصالات الهادفة الى منع قيام خلافات داخل فريق الاكثرية، بعدما ارتفعت أصوات أعضاء من هذا الفريق بشأن التهميش الذي يتعرّضون له من جانب النائبين سعد الدين الحريري ووليد جنبلاط، حتى إن تدخّلات جرت لمنع قيام حملة إعلامية من وسائل محسوبة على الموالاة ضد ما يجري.
ويسعى الحريري وجنبلاط الى عقد اجتماع سريع لقوى 14 آذار لإصدار موقف رسمي وهناك نقاش حول الشخصية المسيحية في التكتل المذكور التي سوف تتولى إذاعة البيان. ويستند الحريري وجنبلاط في مواجهة مسيحيّي 14 آذار الى موقف البطريرك الماروني نصر الله صفير المؤيد لتعديل الدستور لمصلحة انتخاب قائد الجيش، والذي صدر عنه منذ مدة غير قصيرة.
في المقابل، لا يبدو فريق المعارضة مستعجلاً حسم الأمر، وهناك تداول في كيفية التعامل مع موقف العماد عون، وكذلك حول إدارة المرحلة المقبلة، ولا سيما موضوع تأليف الحكومة الجديدة.
في هذه الاثناء، واصل الرئيس بري مشاوراته ذات الطابع الدستوري لإيجاد المخرج المطلوب في حال توافر التوافق السياسي على قائد الجيش كمرشح توافقي. ويقول مقربون من بري إنه وجد ضالته لدى بعض القانونيين والعارفين في الشأن الدستوري، وإنه ليست هناك عقبة حقيقية من هذه الناحية، لكن الامر رهن التوافق الذي لم يكتمل بعد بسبب عدم الاتفاق على «رزمة الحل» في شأن ما بعد انتخاب رئيس جديد.
وإذ أكد بري وقوفه الى جانب التسوية واقتناعه بضرورة إنجازها في أسرع وقت ممكن، فإنه دعا مجموعة من الشخصيات والدبلوماسيين الى عدم التعامل مع الأمر كأنه منجز، فالمسألة تحتاج الى مزيد من الاتصالات لتوفير إجماع سياسي حقيقي. وكرّر بري التزام تحالفاته مع قوى المعارضة، وأنه لن يسير بأي خطوة لا توافق عليها المعارضة. وقد واصل مشاوراته المفتوحة مع قيادتي حزب الله والتيار الوطني الحر.
من جهة ثانية، تعقد قوى المعارضة خلال الساعات المقبلة اجتماعات خاصة بتقويم تحركها الشعبي ومصير الاعتصام بعد سنة على بدئه، إضافة الى جدول تحركات مفتوحة من العماد عون لمواجهة حكومة السنيورة، التي يفترض أن يشير إليها عون يوم الأحد في موقف عام يضمّنه آخر ما يستجد بشأن الاستحقاق الرئاسي.
ويبدو أن المعارضة ليست في وارد تجميد البحث في التحركات الشعبية ربطاً بما يجري الآن من مسعى للإتيان بقائد الجيش رئيساً توافقياً. ويمكن أن يكون لهذا التحرّك أثره على مصير الحكومة وعلى مصير التعديل الدستوري.تفاصيل المشهد السياسي