جنبلاط دعاه الى العشاء والحريري يرغب في لقاء تكتيكي وفيلتمان ينصحه مجدداً بالابتعاد عن حزب الله
من أين جاء ودّ الأكثرية تجاه العماد ميشال عون؟
منذ مدة غير وجيزة، طرح سؤال في أوساط غربية ولا سيما الفرنسية منها عن سبب الانقطاع بين قوى 14 آذار والعماد عون، وأرفق السؤال بنصيحة تقول إن إبعاد عون عن حزب الله ليس مجرد أمنية أو دعوة بل يتطلّب برنامجاً لإقناع الرجل بضرورة الخروج من فريق 8 آذار، وإنه سوف يجد من يلاقيه في الطرف الآخر.
كان النائب سعد الحريري أول من تلقّى الرسالة، وبادر الى الاتصال بعون من الخارج معرباً له عن أمله بالاجتماع قريباً والبحث في «كل الأمور» بغية الوصول الى تفاهمات. ردّ عون مرحّباً وداعياً إلى توسيع الحوار، ومكرراً أن تفاهم التيار الوطني الحر مع حزب الله لا يقصد الابتعاد عن أحد، بل إن التفاهم وُجد لكي يصار إلى تعميمه على الآخرين. ومرّ الوقت ولم يحضر الحريري، وعندما عاد الى بيروت لم يحصل الاتصال.
ومع أن الهجمة على عون استمرت من فريق الأكثرية بحجة أنه عقبة أمام توافق رئاسي، فإن النصائح الغربية عادت لتركّز على أهمية التخلي عن منطق عزل عون، ولما عمد الأخير الى تكرار اقتراحه الحوار المباشر بين قادة القوى السياسية في البلاد، جاء من لفت انتباه أركان في 14 آذار إلى أهمية التواصل معه، ولو من باب التأكيد أن فريق الأكثرية لا ينوي حصر التفاوض بالرئيس نبيه بري. وهو أمر أُضيف الى تكتيك آخر فرض نفسه على النائبين الحريري ووليد جنبلاط لناحية عدم إشاعة أجواء جديدة تقول إن المسلمين (السنّة والشيعة) هم من سيختار الرئيس الجديد للجمهورية، وإن إقصاء عون لا عن الرئاسة فحسب، بل أيضاً عن التشاور في شأنها، سوف يخلق رد فعل في الشارع المسيحي يعيد إلى الأذهان صورة «تسونامي» التي رافقت الانتخابات النيابية عام 2005، والكنيسة لن تكون قادرة على أداء دور فعّال، وسوف يكون مسيحيو 14 آذار في موقع أضعف مما هم الآن.
وفيما واصل الاميركيون الضغط على عون بأشكال مختلفة وتهديده بضمه الى لائحة الشخصيات والقوى الداعمة للإرهاب إذا هو استمر على علاقته بحزب الله، فإن الأطراف العرب لم يبتعدوا عن هذا الجو، وغاب السعوديون عن السمع ولم يعد أحد منهم يثير موضوع دعوة عون إلى زيارة الرياض والتباحث مع قيادتها في أمور لبنان والمنطقة. ولكن ثمة في بيروت من بادر الى طرح الأمر بصورة مختلفة، وهو ما دفع بجنبلاط الى إثارة الأمر من زاوية فتح الحوار مع عون. وكان ان تواصل جنبلاط مع رئيس التيار الوطني بواسطة أحد الاصدقاء، ثم وجه إليه دعوة لتناول العشاء في منزله في بيروت او في المختارة إذا رغب الاخير. لكن المعنيين بالامر ينفون أن يكون التفاهم قد تم على هذا اللقاء أو على تلبية عون لدعوة العشاء.
أما من جانب الحريري، فقد بادر الى إثارة الموضوع من جديد بعد زيارته لبكركي ومعراب. وجاءه من يلفته الى أن القطيعة مع عون سوف تفيد الاخير أكثر مما تفيد قوى 14 آذار. وعند هذه النقطة يعود الغموض قليلاً، بين أن يكون الحريري هو من طلب الى أحد مساعديه، النائب السابق غطاس خوري، الاتصال بعون وترتيب لقاء معه، وبين «خبرية» تقول إن خوري هو من فاتح الحريري بالأمر مبلغاً إياه أنه تلقى اتصالاً من عون وأنه لا بأس من فتح الحوار معه. إلا أن النتيجة كانت أن خوري اتصل بالعماد عون طالباً الاجتماع وأنه يحمل رسالة من الحريري، فقرر عون أنه لا أسباب تحول دون اتصال الحريري مباشرة أو حضوره الى الرابية ما دام قد فعل ذلك قبل أيام وتوجه الى بكركي والى معراب. وأبلغ خوري أن عون كلف معاونه السياسي جبران باسيل الاجتماع بخوري. وتحادث الأخيران هاتفياً واتفقا على موعد اللقاء. وعند وصول موفد الحريري سأل إن كان بالإمكان إلقاء التحية على عون، فقيل له إن الجنرال مشغول باجتماعات عدة، ولا بأس من ترتيب الأمر في وقت لاحق. ثم عقد اجتماع استمر أكثر من ساعتين، وفي خلاله تلقى خوري اتصالات من صحافيين يسألونه هل هو مجتمع بعون، ليتبيّن لاحقاً أن أحد الإعلاميين قال إنه تبلغ من خوري أنه ذاهب لمقابلة عون، لكن الاخير رفض استقباله. ثم انبرى خوري الى إطلاق مواقف هجومية في اليوم التالي، في ما بدا أنه احتجاج على عدم استقبال عون له، أو لأنه وقع في إحراج مع الحريري وآخرين من 14 آذار، كان خوري قد أكد لهم أن في مقدوره حل المشاكل مع عون، علماً بأن الحديث الذي دار بينه وبين باسيل ركز على أمور كثيرة بينها ما هو معروف لناحية سؤال غطاس خوري عما إذا كان عون مستعداً للتخلي عن تحالفاته الحالية.
ولم يتوقف «الهجوم الودي» على هذه التطورات، بل سارع السفير الاميركي جيفري فيلتمان الى توسيع دائرة حواره مع عون وناقش وإياه في زيارة أمس الأمور ذاتها التي تشير الى أن الولايات المتحدة لم تقفل الباب بعد أمام أي نوع من التواصل مع عون او آخرين، ولكنها تريد التأكيد أن مطلبها الخاص بتجميد العلاقة مع حزب الله أمر لا مفر منه. بالاضافة الى الاشارات الاخرى التي تقول مواربة إن واشنطن تؤيد الحوار وإنه يجب التوصل الى حل، وإن الولايات المتحدة تدعم المساعي القائمة لكنها لن تكون معارضة لخطوة قد تلجأ إليها الاكثرية في وقت ما، دون أن ينجح فيلتمان في إخفاء المصاعب التي تواجه فريق 14 آذار الآن.
وقد أبلغ عون أعضاء كتلته النيابية أثناء اجتماعهم بعد ظهر امس أنه خرج من لقائه بالسفير الأميركي بانطباع مفاده أن الاميركيين بات لديهم «نَفَس جديد» وأن حديث فيلتمان معه كان مختلفاً عن السابق، وأوحى أن الإدارة الاميركية لم يعد لديها «فيتو» على ترشّحه لرئاسة الجمهورية.
وقال فيلتمان بعد اللقاء: «قلت للعماد عون إن خيار الاستحقاق الرئاسي يجب أن يكون خياراً لبنانياً لا أميركياً أو غيره. وتناول البحث ضرورة الاتفاق لا على هوية الرئيس المقبل فحسب بل أيضاً على برنامجه، والتقيت مع العماد عون على ضرورة بناء دولة قوية تدافع عن سيادة لبنان واستقلاله».
من جانبه قال النائب ميشال المر إنه لا توافق على رئيس الجمهورية العتيد في معزل عن العماد عون. وأكد أن على الحريري لقاء عون قبل سفره الى واشنطن للاجتماع إلى الرئيس الاميركي جورج بوش في البيت الابيض يوم الخميس المقبل.
من جانب آخر، يبدو أن النقاش حول العلاقة مع عون بات سؤالاً جدياً لدى فريق 14 آذار مجتمعاً، انطلاقاً من بحث قائم لدى هذا الفريق حول طريقة التعامل مع ملف حزب الله وسلاح المقاومة، وهو ما ظهر في اجتماع قريطم مساء أول من أمس حين ظهر أن التباينات جدية بين أطراف الموالاة. وثمة رأي يقول إن الذهاب في المعركة ضد حزب الله حتى النهاية يقتضي دخول الولايات المتحدة والسعودية وأطراف عرب آخرين في حرب شاملة ضد إيران وسوريا، وإلا فإن فريق السلطة في بيروت لن يشنّ حرباً على الحزب بمفرده، والمهم الآن انتظار نتائج زيارة واشنطن. فإذا كانت الأجواء تنذر بتغيّرات حتمية ووشيكة يمكن الموالاة تعزيز رهانات التصلّب. وإذا لم تكن مناخات واشنطن كذلك، يجري التأكيد على منطق التسويات، التي تفرض في جانب منها التحاور مع العماد عون.