المعــارضة تطــالب بلجنــة تحقيــق لكشــف ملابســات معــارك نهــر البــارد
مع انتهاء ملف مخيم نهر البارد تتجه الأنظار، كلياً، إلى مبادرة الرئيس نبيه بري التي تلقّت أمس دعماً سعودياً ومصرياً وفرنسياً ومحلياً «موالياً»، فيما نقل عن السفير الأميركي جيفري فيلتمان قوله إن مناخ الإدارة الأميركية «ليس سلبياً». ووسط توقع مواقف باردة من قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع اليوم ومن النائب وليد جنبلاط غداً، رأت أوساط رئيس المجلس أن «البدايات مشجعة، وهناك مواقف من فريق الأكثرية لا يستهان بأصحابها أعلنت دعمها للمبادرة». وتوقعت موقفاً مرناً للنائب سعد الحريري، ووصفت المصادر الأجواء بالقول: «لا تشاؤم مطبقاً ولا تفاؤل مفرطاً»، لافتة إلى أن بري «يحتاج إلى استكمال الردود التي صدرت حتى الآن بمواقف واضحة ليبني على الشيء مقتضاه»، وأنه أبلغ السعوديين والفرنسيين أنه بحاجة إلى الاستعانة بـ«صديق وشقيق». ونقلت المصادر ارتياح الفرنسيين إلى المبادرة واعتبارها «خطوة متقدمة»، فيما تمنّى السفير السعودي عبد العزيز خوجة، في اتصال هاتفي مع بري أمس، «أن تأخذ الأطراف اللبنانية هذه المبادرة بروح إيجابية». كذلك وصفها السفير المصري حسين ضرار بـ«الإيجابية». وأوضحت المصادر أنه، بسبب التقاطع بين مبادرتي بري وباريس، يفترض أن يعمل الفرنسيون، بمجرد استكمال ردود الفعل، على وضع آلية، يتولّاها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، لتظهير الحل.
أما محلياً، فقد توالت ردود الفعل على المبادرة، وأبرزها ترحيب الرئيس أمين الجميل في اجتماع المكتب السياسي والمجلس المركزي لحزب الكتائب بها، فيما استبق جنبلاط الاجتماع المرتقب لـ«قوى 14 آذار «بالتأكيد في موقفه الأسبوعي لجريدة «الأنباء» «أننا لن نسمح بأن تكون رئاسة الجمهورية مهرّبة، وسننتصر في معركة اختيار رئيس جديد وستتحقق طموحاتنا، وسننجح في هذه المعركة وفق نص الدستور وبعيداً عن التأويلات الجانبية». كذلك أعلن بعد زيارته لبكركي أنه سيعطي الخميس من خلال برنامج «كلام الناس»، «جوابي الشخصي ـــــ لأنني لا أستطيع أن أنوب عن رفاقي في قوى 14 آذار ـــــ عما سمي مبادرة الرئيس نبيه بري».
وعلمت «الأخبار» أن جنبلاط ترأس ليل أمس اجتماعاً ببعض مسيحيي «الأكثرية» لمناقشة المبادرة، وأن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي «يتعامل بإيجابية» مع الأمر، استضاف في السرايا، ليل أول من أمس بعيداً عن الأضواء، لقاءً موسّعاً لأعضاء من قوى 14 آذار، حضره رؤساء أحزاب ووزراء ونواب أعضاء في اللقاء. وقد أعرب بعض الحضور عن خشيته من «فخاخ منصوبة» في متن المبادرة، وخصوصاً في موضوع المهلة التي يمكن أن تلتزم بها الأطراف كافة للتوصل إلى توافق على الرئيس العتيد، فيما رأى آخرون أن المبادرة أحرجت، في توقيتها ومضمونها، قوى «الأكثرية»، وأن أي موقف رافض قد يفسَّر على أنه خروج على المبادرات العربية والأوروربية.
وانتهى الاجتماع إلى ضرورة انتظار حصيلة الاتصالات التي تجريها «الأكثرية» مع الإدارة الأميركية والدول العربية والأجنبية الداعمة للحكومة، وإلى ربط المهل الزمنية القصوى للتوافق على أبواب الأيام العشرة الأخيرة من نهاية الولاية لتبقى الأكثرية ممسكة بورقة النصف زائداً واحداً.
من جهته، أكّد النائب ميشال عون موافقته على المبادرة، محذّراً من أنه «في حال فشلها سنصل إلى الحكومتين، وخصوصاً إذا ارتُكب الخطأ الكبير وانتخبوا رئيساً بـ65 نائباً». وقال عون الذي يتوجّه اليوم إلى لوكسمبورغ على رأس وفد نيابي، إنه كان يرى «أن حكومة الوحدة الوطنية صمام أمان كي لا نصل إلى الحكومتين في البلد، لكن صمام الأمان طار».

الموقف الفرنسي

وقد رحّبت باريس أمس بمبادرة بري معتبرة أنها «في الاتجاه الصحيح». وقالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية باسكال أندرياني: «بمعزل عن المضمون، فإن النداء الذي وجّه إلى اللبنانيين للحوار في ما بينهم يستحق الإشادة». لكنها شدّدت على «أن بعض العناصر تتطلّب توضيحاً بهدف إرساء الثقة وإفساح المجال أمام الحل الذي ندعو إليه: انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل الدستورية»، معتبرة أنه «يعود إلى الأطراف أن يبحثوا خصوصاً الضمانات التي يرونها ضرورية». وأوضحت أن تصريحات بري تندرج «في إطار المبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير انطلاقاً من اجتماع لا سيل سان كلو ثم زيارته لبيروت».
كذلك دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية اللبنانيين إلى «اتخاذ القرار المناسب، وفي إطار مصلحتهم العليا، في ما يخص انتخاب رئيس جديد للبنان ومن دون تدخّل من أي قوى خارجية».

نهر البارد

وفي نهر البارد، طويت أمس صفحة تنظيم «فتح الإسلام» لتفتح صفحات عدة، لا يتوقع أن تكون أقل سخونة، وليبدأ طرح الأسئلة الصعبة والمعقّدة، بشأن الارتباط الفعلي لهذا التنظيم، والتي تحتاج إلى قراءة سياسية وأمنية وقضائية واسعة ومستفيضة. وفيما يعقد وزير الدفاع الياس المرّ اليوم مؤتمراً صحافياً في حضور قائد الجيش العماد ميشال سليمان ومدير المخابرات العميد جورج خوري لعرض تفاصيل عن سير المعارك التي خاضها الجيش طوال 106 أيام، بدأت قوى أساسية في المعارضة بالاستعداد لطرح موضوع إنشاء لجنة تحقيق خاصة بالمعركة وخلفياتها الأمنية.
وأكّدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» أن مجموعة «فتح الإسلام» قد «انتهت تماماً»، وأن مقتل قائدها ومساعديه الرئيسيين يوحي أنه «لم يتمكن أحد من الخروج حيّاً من المخيم». لكنّها أكّدت أنّه ينبغي «اتخاذ كل التدابير اللازمة واستكمال عمليات التمشيط».
وقد تأكد أمس مقتل قائد التنظيم شاكر العبسي والناطق الإعلامي «أبو سليم طه» والفلسطيني ناصر اسماعيل، أحد أبرز العناصر التي أيّدت التنظيم داخل المخيم، إضافة إلى الإعلان عن نقل أكثر من 60 جثة للمسلّحين في الساعات الـ48 الماضية إلى المستشفى.
وقد تابع الجيش عملية تنظيف المخيم من الألغام والمتفجرات، وتمشيطه بحذر، وخصوصاً بعدما تبيّن أن بعض المسلّحين الفارين، وبعضهم جرحى، لا يزالون داخل المخيم. وأشار مصدر عسكري إلى أن الجيش «لم يدخل بعد إلى ملجأ أبو عمار، خشية وجود مسلّحين فيه، أو لاحتمال تلغيمهم إياه»، الأمر الذي سيأخذ وقتاً قبل الانتهاء من إنجاز الجيش هذه المهمة. وتابع الجيش مطاردة فلول المسلّحين في جوار المخيم، وتحديداً في مجرى نهر البارد وصولاً إلى بحيرة عيون السمك، وقرى بلدات سهل عكار، حيث أفادت معلومات أمنية أنّ «ما لا يقل عن 10 مسلحين تمكّنوا من الوصول إلى تلك القرى بعد فرارهم من المخيم، وأن بينهم مَن يحمل جنسيات سعودية ويمنية وشيشانية وجزائرية». كذلك أفيد عن اشتباك مع مجموعة من خمسة عناصر من المسلحين الفارين عند أطراف المخيم الجديد بالقرب من مفرق المحمّرة، وهو ما أدّى إلى مقتل أربعة من العناصر، فيما أقدم الخامس على تفجير نفسه. ووقع جريحان من الجيش إصابتهما طفيفة. وفي منطقة وادي خالد الحدودية، اعتُقل مسلحان أثناء محاولة تهريبهما إلى سوريا. وترددت معلومات عن اعتقال أحد عناصر التنظيم في بلدة مشتى حمود الملاصقة لوادي خالد.