هل ثمة ما يدور خلف الكواليس. وهل هناك اتصالات جدية تجري في مكان ما. وهل اقتربت الاتصالات الإيرانية ـــــ السعودية من نقطة تحوّل تقود إلى انعطافة في المسار القائم الآن نحو حلول ما؟التكتم قائم بقوة على أكثر من صعيد، لكن بعض الخطوات وبعض المواقف دفعت إلى التركيز على هذه الأسئلة، وخصوصاً مع اقتراب انعقاد اللقاء الحواري اللبناني ـــــ اللبناني في باريس. وكان البارز أمس، الاتصال الهاتفي الذي أجراه النائب سعد الحريري من باريس بالعماد ميشال عون والزيارات غير المعلنة التي قام بها موفدون للنائب الحريري ولرئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى البطريرك الماروني نصر الله صفير بغية الوقوف على خاطره في ظل اشتداد حملة مطارنة ومؤسسات دينية مسيحية على «مشروع أسلمة لبنان على يد الحكومة الحالية»، وهي العبارة التي أطلقها أمس المطران بشارة الراعي في حديث مع الزميلة «السفير» وتركت آثاراً كبيرة على الصعيد السياسي.
في هذا الوقت، بدأت بعض التفاصيل المتعلقة بلقاء سان كلو، الذي «تتكفل فرنسا بمصاريفه»، تظهر وتخرج بالقطّارة من أفواه الناطقين الرسميين الفرنسيين أو عبر تسريبات «مدوزنة» بدقّة، بعدما كانت تخرج بشكل فوضوي وضبابي، بدا اليوم أنه إخراج أريد له أن يكون هكذا بهدف «حماية المبادرة».
وبات واضحاً اليوم أن باريس لا تريد تعليق آمال كبيرة على نتيجة اللقاء؛ فالهدف الأول الذي تشدد عليه المصادر المسؤولة هو «فقط جمع القوى اللبنانية لإعادة ربط الحوار في ما بينها» ذلك أنه قبل كل شيء لقاء لبناني ـــــ لبناني يُعقد على الأرض الفرنسية.
ويرى المراقبون أن مجرد حصول اللقاء هو بذاته «نوع من النجاح لدبلوماسية (وزير الخارجية برنارد) كوشنير»، الذي أدرك عندما وصل إلى لبنان شدة التوتر وحدة الأزمة السياسية التي يجتازها البلد، «نتيجة عدم قدرة الأطراف اللبنانية على الحوار».
ورغم تشديد المصادر الدبلوماسية على أن «فكرة التفاوض تحت إشراف فرنسي ليست واردة»، يتساءل بعض المراقبين عما إذا كان مجرد عقد اللقاء إشارة إلى «أننا دخلنا في مرحلة ما بعد التفاوض»؟ إذ يرى هؤلاء أن من العبث «الإقرار بإمكان عقد اللقاء من دون مفاوضات مسبقة» هيّأت له وأمّنت الموافقة عليه. ويشيرون إلى أن «الملابسات التي سبقت الإعلان الرسمي» كانت جزءاً من هذه المفاوضات التي جرت وراء الكواليس وعلى وقع خطى سفرات المبعوث جان كلود كوسران، الذي جال على عدد من العواصم المؤثرة.
وذكرت مصادر دبلوماسية أن كوسران لم يواجه أي معارضة مبدئية خلال جولته على القوى المؤثرة، إلا أنها أكدت أن «جميع الأطراف طرحت عدداً كبيراً من الأسئلة عن نيات فرنسا من وراء هذه المبادرة».
ومع نفيها ما تردد عن «ممانعة سعودية وأميركية» للفكرة، أكدت المصادر نفسها «أنه لم تكن هناك معارضة جذرية» من أي جهة، مشددة على أن الحوار الذي أجراه كوسران مع طهران كان «جدياً وشمل كل المواضيع» وأن إيران طرحت أسئلة عن «تنظيم اللقاء وأهدافه» وأن المشاورات «كانت إيجابية ومفيدة جداً».
ويمثّل ما جرى تغييراً في مقاربة باريس للمعادلة اللبنانية، رغم تكذيب بعض المصادر الدبلوماسية «فكرة التغيير» قافزة فوق المرحلة الشيراكية على أساس «استمرارية السياسة الفرنسية تجاه لبنان منذ ٣٠ عاماًً». وتؤكد المصادر أن باريس كانت دائماً منفتحة على «كل الأطراف اللبنانية» مذكرة بالمفاوضات التي جرت قبل صدور القرار ١٧٠١؛ فباريس «كانت تتكلم مع كل الأطراف اللبنانية، بينما الولايات المتحدة تتكلم مع إسرائيل» في إشارة واضحة إلى «قدرة باريس على التحدث إلى حزب الله» إذ ترى، كما يقول دبلوماسي، «أن اللبنانيين هم كل اللبنانيين» من دون تمييز. وذكرت المصادر أن «كل من حاوره كوسران جاء بأفكار» وأن جوجلة هذه الأفكار أوضحت لفرنسا «موازين القوى الحقيقية وطبيعة العلاقات بين مختلف القوى اللبنانية».
ورأى المراقبون في العاصمة الفرنسية أن المرحلة الأخيرة قبل إقرار اللقاء تمثلت في «العربون» الذي أعطته باريس للرئيس فؤاد السنيورة بتصريحاتها التي شددت فيها على «دعم حكومته الدستورية» ومن خلال استقباله الأخير في باريس بما مثّل نهاية للمرحلة الأخيرة من المفاوضات التي أفضت إلى «تحقيق اللقاء» تتويجاً للمبادرة.
وقالت مصادر في الخارجية الفرنسية إن «كوشنير ليس لديه برنامج لجلسات الحوار» وإنها جلسات من دون جدول أعمال. إلا أن «الأخبار» علمت من مصادر موثوقة أن الوزير سيحضر معظم الجلسات وسوف «يوجه الحوارات بطرح أهم النقاط التي تتمحور حولها الخلافات» من دون أن يعني هذا أن باريس تنوي تقديم «إملاءات» على الأطراف اللبنانية المجتمعة، وأن الهدف ينحصر بالمساعدة على تهيئة الأجواء الملائمة للحوار والإسهام بإطلاق ديناميكية جديدة تسمح بتجاوز الأزمة السياسية.
ورأت هذه المصادر أن «الوضع في لبنان بات خطيراً جداً» ويمكن أن تدهمنا «الاستحقاقات الدستورية المقبلة». وتقول هذه المصادر إن أحد أهم البنود التي يمكن أن يبدأ بها اللقاء هو «المأزق الدستوري الناجم عن انسداد الأفق السياسي».
وأكدت هذه المصادر «تخوّف باريس من الوقوع في أزمة مؤسسات تضاف إلى الأزمة السياسية القائمة»، وترى أن «العد التنازلي قد بدأ في اتجاه فوضى مزدوجة على الصعيد المؤسساتي وعلى الصعيد السياسي»، محذرة من «النتائج الخطيرة على مؤسسات الدولة».
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية باسكال اندرياني إن الاجتماع المقرر في سان كلو، سيضم ما بين ثلاثين وأربعين شخصاً من السياسيين ومن المجتمع المدني، وإن المناقشات «في حضور» كوشنير «ستتركز على ضرورة تعزيز الدولة اللبنانية». وأكدت أن اللقاء «ليس مؤتمراً إقليمياً أو دولياً، وليس أيضاً جولة حوار وطني على غرار تلك التي عقدت عام 2006، رغم أن القوى المدعوة هي نفسها».

الحل «على البارد»

وبينما تستعد قوى المعارضة لعقد اجتماع تنسيقي للموفدين الى باريس من أجل وضع تصوّر مشترك، قال الرئيس إميل لحود امس «نطالب اليوم بأن تحصل الأمور على البارد ولا نريدها أن تحصل على الساخن كما في الماضي، فيدفع اللبنانيون الثمن». وكرر دعوته الجميع الى «الجلوس معاً لتأليف حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ، لأن الخارج يسعى الى تحقيق مصالحه ولن يفضل مصلحة لبنان عليها». وأضاف «إن لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعيش إلا على التوافق. ولكن إذا أرادوا الاستمرار في الاستئثار بالسلطة، والقيام بما يحلو لهم نتيجة الدعم الخارجي لهم، أقول لهم إن الدعم الخارجي لن ينفعهم إذا بدأت المشاكل في لبنان، وهذا ما سنمنع حصوله». وتابع «لن أنتظر حتى اللحظة الأخيرة. وعندما يحين الوقت، سألجأ الى الحل الذي يتيحه الدستور والقانون ويؤمن مصلحة الشعب»، مشدداً على أنه «إذا اعتقد أحد الأطراف أنه بالمماطلة يربح وقتاً للوصول الى الانتخابات الرئاسية، وعندها يفرض رئيساً تحت الأمر الواقع أو تتحول السلطة الى رئيس الوزراء غير الشرعي، وغير الدستوري، وغير الميثاقي، فإن هذا لن يحصل».

الحريري وعون

في هذه الاثناء، تلقى العماد عون أمس اتصالاً من النائب الحريري الموجود في باريس. وأفاد المكتب الإعلامي للأخير انه جرى البحث في «ضرورة تفعيل الحوار الوطني واتفقا على لقاء يعقد بينهما في أقرب فرصة ممكنة».
وكان العماد عون قد قال أمام زواره «إن بعض المحاورين اليوم يفرغون الحوار من مضامينه لتقطيع الوقت، الاستحقاقات لها تواريخها، وسنصل الى الاستحقاق الرئاسي، ونحن نريده استحقاقاً لإعادة تصويب ما هو شائب، أو لن يكون هناك استحقاق أصلاً، ستكون حكومة وحدة وطنية، أو حكومة إنقاذية أو لن تكون».
وخلال لقاء عقده مع البطريرك الماروني في بكركي، أكد عون «أننا لا نزال ندعم تأليف حكومة إنقاذ للخروج من المأزق الذي يعيشه الوضع اللبناني لأنه إذا لم نتوصل الى حكومة إنقاذية وانتخابات رئاسية سليمة، فهذا يعني أن الوضع سائر نحو المجهول ونحو كل الاحتمالات».
ورد عون على دعوة الدكتور سمير جعجع إلى الاتفاق على الرئيس المقبل، قائلاً: «أنا لا أرى ضعفاً في الخاصرة المسيحية أو أنها مهددة إلا من خلال قضم حقوقها ضمن هذه الحكومة التي يتمثل فيها الدكتور جعجع، وأنا لا أرى اعتداءات على الطائفة المسيحية لا أمنية ولا غيرها بل هناك اعتداءات سياسية. أما بالنسبة الى التفاهم على الرئيس المقبل، فأنا مرشح، وأهلاً وسهلاً إذا أراد البحث معي في البرنامج لأنني لست من طلاب «الخلو» من ترشيحي، أنا مرشح لأبقى مرشحاً، وكنت قد قلت سابقاً إذا كانوا لا يريدونني في المجلس النيابي فإنني أسقط هناك».
وذكرت مصادر مطلعة على الاجتماع أن «النقاش تناول مخاطر ترك السلطة بيد فريق واحد وما ينتج من ذلك من أمور سلبية بحق قسم كبير من اللبنانيين، وأن خروج الشيعة من الحكومة أضر بمصالح ثلث الشعب اللبناني والتهميش المستمر لمصالح المسيحيين تمثيلاً وإدارة يضر بثلث آخر من اللبنانيين، ما يفرض اللجوء الى مواقف وخطوات تعيد تصويب الأمر». وتحدث صفير، بحسب المصادر نفسها، عن «خشيته من المزيد من الانقسامات، متمنياً التوصل الى تفاهمات على الحكومة والرئاسة أيضاً»، مشيراً إلى أنه «يتلقى يومياً مئات الشكاوى من إبعاد المسيحيين عن مراكز القرار، لا على مستوى الحكم فقط، بل على مستوى الإدارات المتوسطة أو الصغيرة الحجم».
وعرض صفير «بعض ما لديه من معطيات عما يجري في هذا الخصوص وما يتلقى من توضيحات غير مقنعة من جانب المعنيين في الحكومة الحالية».

«أسلمة لبنان»

من جهة أخرى، أيّد المركز الكاثوليكي للإعلام، في بيان أصدره أمس، ما تضمّنه بيان مجلس المطارنة الموارنة الأخير. وقال: «ليست هي المرة الأولى التي يدق فيها مجلس المطارنة جرس التحذير والخطر على الأوضاع اللبنانية والوطنية عامة والأوضاع المسيحية خاصة حتى أتت المراسيم والقرارات الاخيرة للوزارة لتخلق قلقاً وعلامات استفهام كبيرة حول العيش المشترك في لبنان وطابع التعايش وهذا ما شعر به المسيحيون منذ فترة من الزمن حتى قيل إن هناك مخططاً أخذ يزيد بروزاً بعد اتفاق الطائف لتغيير وجه لبنان التعددي والرسالة. ويخشى أن نكون قد وصلنا الى تحقيق تلك الأهداف المبطنة الآيلة الى أسلمة لبنان على ما جاء على لسان البعض والى تغيير وجه لبنان الحضاري والتعددي حيث لا كثرة تسيطر على قلة ولا قلة تستبدّ بكثرة».
وأضاف «إن ما يثير استغرابنا هو تلك الضجة التي أثيرت حول البيان الأخير للآباء الاساقفة، وأدهى ما في الأمر أن القيامة قامت من بعض السياسيين المسيحيين، وخاصة بعض الموارنة منهم، الذين كان عليهم أن يرفضوا ما اتخذ من قرارات قبل صدورها، مراعين الدستور وطابع لبنان التعددي التوافقي مستذكرين المثل القائل: درهم وقاية خير من قنطار علاج».