في هجوم هو الأول من نوعه منذ توسيع انتشارها في الجنوب، تعرّضت قوات الطوارئ الدولية لتفجير دامٍ أوقع ستة قتلى من الوحدة الاسبانية قرب الخيام، ما أثار مجموعة تساؤلات عن خلفية العملية الإرهابية واستهدافاتها، رغم وجود تحذيرات قوية لدى «اليونيفيل» من احتمال تعرضها لعمليات من نوع كهذا بعد الكشف عن التحقيقات مع أفراد من مجموعة «فتح الإسلام» وآخرين من تنظيم «القاعدة» قالوا فيها إنهم كانوا يخططون لتوجيه ضربات إليها، وبروز إشارات الى تدهور للوضع الأمني جنوباً، وخصوصاً بعد حادثة إطلاق صواريخ كاتيوشا الأسبوع الماضي على مستعمرات إسرائيلية انطلاقاً من مناطق عمل هذه القوات. وبينما لاقى الحادث استنكاراً محلياً وعربياً ودولياً ولم تتبنَّه أي جهة، أعلنت إسبانيا أنه لن يدفعها الى سحب وحدتها من لبنان، فيما دعت مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة الى مناقشة الأمر في ضوء تطورات كثيرة تتصل بالملف اللبناني ومتابعة القرار 1701 وملف الحدود مع سوريا.
الانفجار
وتضاربت المعلومات عن طبيعة الانفجار؛ ففيما رجح مصدر في قوى الأمن الداخلي أن يكون التفجير قد حصل عن طريق انتحاري فجّر نفسه بسيارة مفخخة، موضحاً «أنه عثر في الموقع على بقايا سيارة بداخلها رفات بشري»، قالت مصادر أخرى إن سببه عبوة كانت في سيارة «رينو رابيد» بيضاء اللون تحمل لوحة مزورة ركنها مجهول بجانب الطريق العام عند الرابعة بعد الظهر واستقل سيارة «مرسيدس» بداخلها شخصان، ليحدث الانفجار عند الساعة 5.45.
وعلى الفور، ضرب الجيش اللبناني طوقاً أمنياً حول المكان، وعمل جنوده بعد الانفجار مباشرة على نقل القتلى والجرحى بمساعدة عناصر اليونيفيل، الذين وصلوا بعده بنحو ربع ساعة، إلى مركز الكتيبة الإسبانية في بلاط، التي تبعد نحو كيلومتر واحد عن مكان الانفجار، وحيث كانت الدورية قد غادرته باتجاه خط الخيام كفركلا، على الطريق التي تحد بلدة الخيام من كامل ناحيتها الغربية، وسهلي مرجعيون والخيام من الناحية الشرقية، وتنتهي بمفترق شمالي مستوطنة المطلة.
وأقام الجيش اللبناني حواجز طيارة على الطريق العام بين مرجعيون ومدينة النبطية. وأفاد شهود عيان أن الجيش كان يوقف كل سيارات «المرسيدس»، الأمر الذي يشير إلى تعاطي القوى الأمنية بجدية مع الأخبار التي أشارت إلى فرضية تواري الجاني بسيارة من هذا الطراز.
وقالت المتحدثة الرسمية باسم اليونيفيل ياسمينا بوزيان إن «الانفجار الكبير» وضع إلى جانب طريق تمر منه الدورية الإسبانية، رافضة الإفصاح عن عدد الإصابات أو تأكيد المعلومات المتداولة في هذا الإطار.
وفي وقت متأخر من ليل أمس، أصدر المكتب الإعلامي لقوات اليونيفيل بياناً أشار فيه إلى مقتل ستة جنود من قوات حفظ السلام وإصابة اثنين بجروج خطرة، في ما يبدو أنه هجوم بسيارة مفخخة.
وقال وزير الدفاع الاسباني خوسيه انتونيو ألونسو «نعمل على نظرية هجوم إرهابي. شهدت الأسابيع القليلة الماضية العديد من الحوادث التي زعزعت استقرار لبنان. كنا في حالة تأهب قصوى وعززنا الأمن». وأعلن أنه سيزور بيروت لاحقاً لتسلّم جثث الجنود.
ومن نيويورك، نقل مراسل «الأخبار» نزار عبود عن مصادر مطلعة قولها إن تقرير البعثة المستقلة لتقييم الحدود اللبنانية الشرقية والشمالية سيتضمّن توصيات بتشديد الرقابة عليها على مرحلتين في إطار مشاركة أوروبية وأممية. وربطت مصادر دبلوماسية بين تفجير الخيام في الدورية الإسبانية واستحقاق مناقشة تقرير البعثة وتقرير تطبيق القرار 1701 المتوقع أن يجري اليوم الاثنين، أو غداً الثلاثاء.
وأكدت مصادر دبلوماسية تسلم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في وقت متأخر من مساء أول من أمس تقرير بعثة التحقق التي أرسلت إلى لبنان منذ ثلاثة أسابيع فقط. وأضافت أن التوصيات تقضي في المرحلة الأولى، على المدى القريب، بتوسيع مهمة الخبراء الألمان وتدريب ضباط من الجيش اللبناني على استخدام أجهزة الرقابة التقنية الحديثة، مع نشر أنظمة جديدة لمراقبة كل نقاط العبور الرسمية وغير الرسمية.
وفي المرحلة الثانية، المتوسطة المدى، توصي البعثة بتعزيز وجود الخبراء بقوات دولية، جل أفرادها من الاتحاد الأوروبي، بمساعدة أجهزة الرصد من الأقمار الاصطناعية والمطار المستصلح في القليعات، الذي سيستخدم كقاعدة أطلسية غير رسمية.
ردود الفعل
ودان الرئيس إميل لحود «الاعتداء الآثم الذي يُشكل خطوة جديدة على طريق استهداف الأمن والاستقرار في لبنان عموماً، وفي الجنوب خصوصاً، ويندرج في إطار المخطّطات المشبوهة التي يتعرض لها لبنان منذ فترة»، فيما اعتبره الرئيس فؤاد السنيورة «عملاً إرهابياً ومشبوهاً ومداناً ومستنكراً، استهدف أمن لبنان واستقراره»، معتبراً أن هذا التفجير «سيزيد الحكومة إصراراً على تطبيق بنود القرار 1701 بحذافيره».
كذلك، استنكر حزب الله «العمل المشبوه الذي يضرّ بأهل الجنوب ولبنان، ويساهم في المزيد من العبث بأمن لبنان واستقراره»، فيما رأت حركة «أمل» نفسها «مستهدفة بالانفجار الآثم».
واتصل العماد ميشال عون بالسفير الإسباني ميغل بنزو بيريا، وعزاه بالضحايا، مستنكراً «العمل الآثم الذي استهدف دورية للكتيبة الإسبانية في منطقة الخيام».
ورأى النائب سعد الحريري أن «العمل الإرهابي الخطير يستهدف أمن لبنان كله لا قوات الطوارئ الدولية فحسب»، موجّهاً أصابع الاتهام في اتجاه «جهات معروفة الولاء الإقليمي»، ومهيباً بقوات الطوارئ الدولية «أن تواصل تحمّل مسؤولياتها تجاه لبنان، وتجاه المنطقة الحدودية تحديداً».
استنكارات عربية ودولية
وعبّر وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن حرص بلاده على «استتباب الأمن والاستقرار في لبنان»، مشدّداً على دعمها لما يتفق عليه اللبنانيون في إطار «احترام الدستور اللبناني وصيغة العيش المشترك، بمعزل عن التدخلات الخارجية».
كما شدد وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط «على حتمية الحفاظ على السيطرة على الوضع القائم في جنوب لبنان منذ انتهاء الحرب الاسرائيلية على هذا البلد الصيف الماضي». وناشد الدول المشاركة في القوات الدولية «الاستمرار في مهمتها في الجنوب اللبناني تفادياً لعودة القتال هناك بما يضيف الى بؤر التوتر المتزايدة في المنطقة».
أما إسرائيل فقد أعربت عن «أسفها العميق» لمقتل الجنود الإسبان. وقال المتحدث باسم وزارة خارجيتها مارك ريغيف «إن إسرائيل على اتصال مباشر باليونيفيل والحكومة الاسبانية واقترحت تقديم المساعدة في كل المجالات الممكنة».