strong>الســنيورة يحشــد دعمــاً عربيــاً ودوليــاً وعــون يفــكّ «عزلتــه» الفرنســيّة
يوم آخر مضى أمس وظلت أزمة نهر البارد على غاربها. لكن الاتصالات متواصلة في اتجاهين، الأول يرمي الى بلورة حل سلمي يجنّب اللجوء الى خيار الحسم العسكري ضد «فتح الإسلام» وما يمكن أن يترتب عليه من مضاعفات، والثاني تأمين تغطية عربية ودولية لاعتماد هذا الخيار في حال استنفاد كل الوسائل السلمية.
وقال مصدر فلسطيني مشارك في المساعي الجارية لـ«الأخبار» إن الاتصالات التي جرت أمس لم تحقق أي نتائج ملموسة، وإن مبادرة النقاط الأربع التي تعمل عليها الفصائل الفلسطينية والقائلة بوقف إطلاق النار وإنهاء المظاهر المسلحة في المخيم وإنشاء قوة أمنية فلسطينية مشتركة ومعالجة وجود عناصر «فتح الإسلام» تتعثر عند النقطة الاخيرة منها. فالدولة تتمسك بمطلبها تسليم المعتدين على الجيش لمحاكمتهم أمام القضاء لينالوا جزاءهم، فيما «فتح الإسلام» أبلغت الوسطاء قبولها بوقف النار والانكفاء عسكرياً من مواقعها والقبول أيضاً بالقوة الامنية الفلسطينية المشتركة، ولكنها رفضت بشدة تسليم أيّ من مسلحيها اللبنانيين أو العرب الى السلطة اللبنانية.
وكشف المصدر نفسه أن أياً من الفصائل الفلسطينية التي نشطت أمس في لقاءاتها واتصالاتها، لم تتمكن من إعطاء أي تعهد بإمكان إقناع «فتح الاسلام» بتسليم المطلوبين لديها الى الجيش اللبناني. لكنه قال إن الاتصالات ستستمر الى حين بلورة صيغة يتمكن من خلالها من التعاطي مع هذا الأمر.
تحرك السنيورة
وفي ظل هذه الأجواء، سعى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى الحصول على مزيد من الدعم العربي والدولي لما تعتزم الحكومة اتخاذه من خيارات في حال الفشل في التوصل الى حل سلمي لقضية مخيم نهر البارد. وقد اندرج في هذا الإطار استقباله السفراء العرب المعتمدين في لبنان ومن ثم سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن وممثلي المنظمات الانسانية والدولية واللبنانية والعربية. وشدد أمامهم «على ضرورة إعطاء فرصة للحل السلمي لمشكلة مخيم نهر البارد لكن في إطار إنهاء ظاهرة «فتح الاسلام»، وإلا فإن الدولة تحتفظ بكامل خياراتها».
وسلم السنيورة لكل هؤلاء مذكرة أحداث الشمال مشيراً الى «اننا نتصدى لمجموعة متطرفة تعرف باسم «فتح الإسلام» تضم بين صفوفها إرهابيين من جنسيات مختلفة دخلوا خلسة لبنان، وتجمعوا في مخيم نهر البارد، فاستخدموه قاعدة لعملياتهم».
وقال: «إننا نحارب الإرهابيين لحماية لبنان وتأمين سلامة وأمن كل قاطنيه من لبنانيين، فلسطينيين وآخرين»، مؤكداً أن الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني يقومان «بأقصى الجهود لمعالجة هذا التهديد بشكل حاسم وحذر. وكل خيار بديل من هذا الحسم ستكون له تبعات ونتائج خطيرة جداً على لبنان والمنطقة».
وشدد على أن «لبنان يرفض ويدين الإرهاب أينما وقع، ولن يتسامح معه على أرضه مهما كانت الظروف»، مؤكداً «أن الجيش اللبناني يبقى الجهة الشرعية الوحيدة التي تملك حق استخدام القوة كملاذ أخير بهدف الدفاع عن استقراره وأمن مواطنيه. ولن يكون لبنان أرضاً لخرق القانون والإفلات من العقاب».
وأجرى السنيورة اتصالات هاتفية بكل من الرئيس المصري حسني مبارك، ملك الأردن عبد الله الثاني، رئيس جمهورية جنوب أفريقيا تابو مبيكي، ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي. وعرض لهم تطورات الاوضاع في لبنان، والاجواء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. كما ترأس اجتماعاً وزارياً تشاورياً حضره 13 وزيراً، وأبلغهم نتائج لقاءاته الدبلوماسية. وقال إن الجيش لا ينوي اقتحام المخيم وهو يميز جيداً بين مواقع المسلحين والأهداف المدنية. وحذر من انفلاش المسلحين في الأحياء السكنية في المخيم.
الوضع الأمني
وكان مخيم نهر البارد قد شهد امس اشتباكات متقطعة على «محاور التماس» بين الجيش ومسلحي «فتح الاسلام»، فيما أقدمت الاخيرة على إقامة مزيد من التحصينات والمواقع الكاشفة عند مداخل المخيم، وتحديداً على سطوح المباني العالية المشرفة على مراكز الجيش اللبناني عند مدخليه الشمالي والجنوبي.
وقال مصدر أمني لـ«الأخبار» إن مجموعة من «فتح الاسلام» نصبت راجمة لصواريخ الكاتيوشا على سطح أحد المباني العالية في الحي الجديد خلف جامع ابن الوليد لجهة البحر. وأشار الى أن الاشتباكات التي شهدها مدخل المخيم فجر امس بين الجيش ومجموعة مسلحة حاولت التسلّل الى مواقعه أدت الى مقتل اثنين من المسلحين، أحدهما من قادة المجموعات ويرجح أنه سعودي يدعى عبد العزيز المهاجر.
ومن جهة ثانية، أفادت معلومات أن مجموعات من «الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة» استحدثت امس مواقع جديدة لها في تلال حارة الناعمة. ورصدت حتى ساعات الليل الأولى جرافات صغيرة وعمالاً يستخدمون الرفوش في حفر الخنادق في تلال المنطقة.
عون و«العزلة» الفرنسية
الى ذلك، انتهت أمس «العزلة» الفرنسية التي كانت مفروضة على رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بلقائه أمس، في باريس، وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير. والتقى عون أيضاً مجموعة من الخبراء العاملين على الملف اللبناني. وذكرت مصادر أن باريس أعطت أهمية كبيرة لهذا اللقاء، وظهر ذلك من خلال الأسئلة الكثيرة التي وجِّهت الى عون. كما لوحظ أن المستشار الجديد للوزير ديدييه بيغو كان حاضراً إلى جانب موظفي الوزارة الكبار المهتمين بالشرق الأوسط.
وقالت مصادر لـ«الأخبار» إن عون أسهب في شرح «المقتضيات والظروف، وخصوصاً المسار الذي أوصل إلى توقيعه ورقة التفاهم مع حزب الله وأهميتها بالنسبة للسلم الأهلي». كذلك شرح رؤيته «لآلية الخروج من الأزمة» التي لخصها لمحاوريه بتأليف حكومة اتحاد وطني، وإقرار قانون انتخابي جديد يحافظ على الصفة التمثيلية لمختلف شرائح المجتمع اللبناني، وانتخابات رئاسية.
وقالت مصادر قريبة من عون لـ«الأخبار» إن الفرنسيين «أكدوا اللوازم الجديدة التي تحكم دبلوماسيتهم وهي، إلى جانب احترام القرارات الدولية، تعزيز الحوار الوطني والانفتاح على كل القوى السياسية اللبنانية».
ورأى مراقبون في العاصمة الفرنسية أن «الجو الجديد» الذي أشاعته تصريحات كوشنير في بيروت عن استعداده كـ«صديق للبنان للتحاور مع ممثلي جميع القوى السياسية التي تبدي حرصاً على سيادة لبنان واستقراره»، إضافة إلى زيارة عون «قد يفتحان الأبواب أمام لقاءات مع حزب الله»، بعدما «تحررت الدبلوماسية الفرنسية من قيود عهد شيراك». ومن هنا يتفق الجميع على أن «ظروف العمل بين باريس والتيار الوطني الحر تحسنت وباتت في أجواء جديدة». ولفتت مصادر دبلوماسية الى أن كوشنير يعرف جيداً لبنان وعون «منذ الثمانينات»، مشيرة الى أنه كان قريباً من الرئيس الراحل فرنسوا ميتران «الذي ربط شرف فرنسا بحياة الجنرال عون قبل خروج الأخير من بيروت إلى منفاه في باريس»، وكشفت أن كوشنير التقى زعيم «التيار» خلال زيارة غير رسمية له الى لبنان قبل أشهر.