الحص يكشف العرقلة الأميركية لمساعي التسوية... وترقّب لنتائج القمّة السعودية ـ الإيرانية
بانتظار نتائج القمة السعودية ـ الإيرانية المقررة غداً في الرياض، عاش البلد أمس على موجة جديدة من التفاؤل غير المفهوم، وخاصة أن أشكال التواصل القائم كلها حتى اللحظة لا تستند ولا تقدم معطيات جديدة تشير الى حل، والانطباع الذي خرج به الرئيس سليم الحص من جولته على سوريا وإيران والسعودية يفيد بأن الولايات المتحدة لا تريد تسهيل الامور، لا في لبنان ولا في المنطقة.
وقال الحص، لعدد من زواره أمس، إن السعودية باركت مبادرة الرئيس نبيه بري وحثت النائب سعد الحريري على السير بها، موضحاً أن فريقاً شُكل لهذه الغاية، ضم كلاًّ من النائب علي حسن خليل عن المعارضة والنائب غطاس خوري ومحمد السماك عن الأكثرية. وقد توصل هؤلاء، بحسب الحص، إلى صيغة تفاهم تنطلق من دراسة مشروع المحكمة الدولية وتأليف حكومة وحدة وطنية على أساس 19ـــــ11، وكان من المقرر الإعلان عنها في كل من قريطم وعين التينة.
وأضاف الحص، الذي أعرب عن مخاوفه من ان تطول الازمة أكثر إذا لم تحصل مبادرة من النوع الذي يدفع الجميع الى القبول بحل، أن وجوده في الرياض صودف مع زيارة الحريري للعاصمة السعودية، التي غادرها متوجهاً إلى بيروت لإعلان الاتفاق. لكن كلاماً صدر عن قائد “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، انتقد فيه الاتفاق، وفُسّر على أنه رفض أميركي له، الأمر الذي دفع، بحسب الحص، الرياض إلى إبلاغ الحريري بالعدول عن إذاعة الاتفاق، وهذا ما حصل.
وقال الحص، وفقاً لزواره، إن واشنطن لا تريد شيئاً من لبنان لكنها تريد كل شيء عبره، وهي تضغط بواسطته على حزب الله وسوريا وإيران وكذلك على السعودية، مشدداً على أنه يتعذّر التوصل إلى حل في بيروت من دون حصول تقارب بين الرياض ودمشق.
وأضاف الحص أنه بحث هذا الأمر مع الملك عبد الله والرئيس بشار الأسد، وكذلك مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، متمنياً على الأخير أن يوليه اهتمامه من منطلق أن إيران حليفة أساسية لسوريا.
وذكر الحص، في هذا الإطار، أنه سمع من الملك عبد الله كلاماً مشجّعاً، وصف فيه العلاقات السعودية ـــــ الإيرانية بأنها “طيبة ومستمرة”، والعلاقات مع سوريا بأنها “جامدة” في الوقت الحاضر، إلا أنه أعرب عن أمله بصدور موقف عن الرئيس السوري في الخطاب المرتقب له في الثامن من آذار الجاري يكون خطوة متقدمة تقرّب بين البلدين.
وفيما كرّر الحص أمام زواره قول الأسد له إنه لا يعارض المحكمة الدولية ويؤيّد كل ما يتفق عليه اللبنانيون بهذا الشأن، كشف أنه عرض للملك السعودي بعض الملاحظات على المحكمة التي ينبغي التوقف عندها ومناقشتها، ومنها خلوّها من ذكر أصول المحاكمات، واعتمادها الغموض في مسألة الرئيس والمرؤوس، وتجاهلها لقضية العفو الخاص الذي ينص عليه الدستور اللبناني.
في هذا الوقت، قالت مصادر مقربة من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، لـ“الأخبار” أمس، إنه يتوقع “مفاجآت” في شأن الأزمة اللبنانية. وأضافت، من القاهرة، أن احتمال زيارته لبيروت قبل القمة العربية لا يزال قائماً. وكشفت أنه في صدد زيارة طهران بناءً على دعوة رسمية من وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، مشيرة الى أنه ينتظر أيضاً ما ستسفر عنه المحادثات السعودية ـــــ الايرانية.
وفي ظل هذه التطورات استعجل الرئيس نبيه بري عودته من اوروبا، بعدما كان متوقعاً أن يبقى فيها حتى نهاية الاسبوع الجاري، لكنه أعلن إرجاء مؤتمره الصحافي الذي كان ينوي عقده الى الأسبوع المقبل.
وعلمت “الأخبار” أن هذا التأجيل تم بناءً على تقويم دقيق للتطورات والمساعي المتسارعة، وذلك لإفساح المجال لإنضاج شيء ما قد يبصر النور قريباً.
وعلق بري على وصف بعض أركان فريق السلطة له بأنه “خاطف ومخطوف” قائلاً “سنثبت لهم من هو الخاطف والمخطوف وبينهما الكامخ. وإذا كان من يسعى لإيجاد الحل مخطوفا، فنبارك بحالة الخاطف الذين هم فيها”.
أما الحريري، الذي انتقل أمس الى باريس للقاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك، فقال من جهته “إن السعودية تعرف السياسة في لبنان وإيران تؤدّي دوراً بسبب علاقاتها مع حزب الله. نأمل أن ثمة محادثات جارية حالياً لإيجاد حل لهذه الأزمة، لكن المشكلة الأساسية اليوم هي النظام السوري، الذي يحاول منع حصول هذا الاتفاق”.
وأعرب الحريري عن أمله بحل للأزمة اللبنانية “يرتكز على التزامن بين المحكمة والحكومة”، مشدداً على أنه “لا يمكن لرئيس مجلس النواب، ولا لأحد غيره، وقف انعقاد الجلسات النيابية لأننا في بلد ديموقراطي. ونأمل أن نتمكن، بمساعدة أصدقائنا، من إنشاء هذه المحكمة، إما عبر البرلمان في لبنان، أو ربما عبر أحد فصول شرعة الأمم المتحدة لإنشاء محكمة مختلفة”.
جنبلاط وتشيني
في واشنطن، زار النائب وليد جنبلاط والوفد المرافق له نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ثم عقد لقاءً مع مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس، جون هانا. وانتقل مساءً الى نيويورك، حيث سيلتقي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس الدائرة القانونية نيكولا ميشال ومبعوث المنظمة الدولية تيري رود لارسن وسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، على أن يعقد مؤتمراً صحافياً في ختام محادثاته.
وكان جنبلاط قد أعلن أنه تلقى تأكيداً من وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بأن الولايات المتحدة “لن تتخلى” عن لبنان في المؤتمر الدولي حول العراق، الذي سيعقد في العاشر من الشهر الجاري في بغداد. وأعرب عن قلقه من انعكاسات محتملة لهذا المؤتمر على لبنان، مشيراً إلى أن الهدف هو “الانتهاء من دولة الأمر الواقع، دولة الميليشيات، ولا سيما منها ميليشيا حزب الله”.
ونقل مراسل “الاخبار” في واشنطن عمر أحمد عن مصادر قريبة من جنبلاط قولها إنه طلب من المسؤولين الاميركيين الذين التقاهم تعزيز الجيش اللبناني تسليحاً وتدريباً وبحث مع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ومسؤولين آخرين في ضرورة إدخال تعديل على التركيبة الحالية للجيش اللبناني، الذي قال إنه يتسم بغالبية شيعية.
كلام مشابه صدر أمس على لسان نائب جعجع في “القوات”، النائب جورج عدوان، وإن بطريقة اخرى، عندما دعا الى إعادة التوازن في المؤسسة العسكرية، وإعادة النظر في عقيدتها القائمة.
وكان جعجع نفسه قد استمع من كوادر من “القوات اللبنانية” الى شكوى من “أن الجيش لا يزال معادياً للقوات”. ورد بأن “فريق 14 آذار يدرك الوضعية التي فرضتها سوريا والقوى الحليفة لها على الجيش، وهناك برنامج عمل ستكون له أولوية في المرحلة اللاحقة لإعادة النظر في هيكلية الجيش وعقيدته وفتح الباب أمام توازن عددي وطائفي في صفوفه”.