«ماذا تريدون من لبنان؟ توجّهوا الى سوريا... ولكم منا كل الدعم». كلمات توجز رسالة بالغة الأهمية، يتوقع أن تكون لها تداعيات محلية وإقليمية. المرسل: فرنسا. المرسل إليه: إسرائيل. الزمان: تموز 2006. المناسبة: «كره» الرئيس جاك شيراك لنظيره السوري بشار الأسد وتحميله مسؤولية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.هذا باختصار ما كشفت عنه أمس صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى. كشف يحاكي طلباً مماثلاً من الإدارة الأميركية كشفت عنه وسائل الإعلام العبرية قبل أشهر.
قالت «معاريف»، في عنوانها الرئيس أمس، إن إسرائيل تلقت في الأيام الأولى من عدوانها على لبنان الصيف الماضي عرضاً فرنسياً «غير مسبوق» يقضي بقيام الجيش الإسرائيلي باجتياح سوريا وإسقاط النظام فيها في مقابل دعم فرنسي كامل وغير محدود للحرب.
وقالت الصحيفة إن الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، «المعروف بكراهيته الشديدة (للرئيس السوري بشار) الأسد ونفوره من نفوذ سوريا في لبنان» هو الذي يقف شخصياً وراء العرض الذي قُدم على شكل رسالة خاصة وصلت إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية. وينص الاقتراح، الذي تضمنته الرسالة الفرنسية، على أن تعلن إسرائيل أن سوريا هي الجهة التي تتحمل مسؤولية الاشتعال على حدودها الشمالية بوصفها الداعمة اللوجستية الكبرى لحزب الله في المنطقة، وبناءً على ذلك يقوم الجيش الإسرائيلي بغزو الأراضي السورية بهدف تنفيذ مهمة واضحة ليست سوى «إسقاط نظام (الرئيس) الأسد». وفي موازاة ذلك، تحصر إسرائيل نشاطاتها في لبنان بضرب أهداف مركزة لحزب الله، وتقلص دائرة استهدافاتها لبيروت «التي يحمل الكثير من سكانها الجنسية الفرنسية» بحسب «معاريف».
أما الشق الفرنسي في الصفقة المعروضة فهو التزام بتقديم «دعم متواصل ومنهجي ومن دون تحفظ» للحرب سواء في مجلس الأمن أو في مؤسسات الاتحاد الأوروبي. ولأسباب لم تحدد، أوضحت الرسالة الفرنسية أن الدعم الذي ستقدمه باريس لن يتخذ طابع الموقف العلني، بل سيلقى ترجمته العملية عبر «الامتناع عن أي تدخل لعرقلة عمليات الجيش الإسرائيلي ضد السوريين»، وكذلت عبر تفعيل النفوذ الفرنسي لتأمين غطاء دولي للحرب من خلال «القرارات والتصريحات التي تمنح إسرائيل مساحة مناورة مطلقة في حربها ضد دمشق».
ورأت «معاريف» أن اقتراح شيراك «الناشئ عن معارضته الواضحة لنظام الأسد، على خلفية دوره في اغتيال (الرئيس رفيق) الحريري» كان يعكس انقطاعاً عن فهم ميدان الحرب التي اندلعت للتو في الشرق الأوسط.
ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية رفيعة قولها إن شيراك «عمل خلافاً لكل التقديرات في إسرائيل والعالم، التي كانت تفيد بأنه من الواضح أن رئيس الوزراء ايهود اولمرت معني بأن يوجه ضربة عسكرية مركزة ومحدودة في لبنان من دون أن يجر اسرائيل إلى حرب مع سوريا».
وبحسب مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، فإن «الفرنسيين قالوا لنا عملياً: ماذا تريدون من لبنان؟ توجهوا الى سوريا. هي مصدر كل المشاكل. لقد أراد الفرنسيون ان يقوم الجيش الإسرائيلي بدلاً عنهم بالعمل القذر حيال سوريا».
ونقلت الصحيفة عن مسؤول آخر قوله إن «شيراك لم يفهم المصلحة الاسرائيلية مطلقاً. فإسرائيل لم تكن تسعى إلى مهاجمة سوريا. وبالفعل، في اللحظة التي فهم فيها شيراك أننا نبحث عن سبل إنهاء الحرب وعدم توسيعها، توقفت الرسائل وواصل الفرنسيون التصرف كالمعتاد». وأضاف المسؤول نفسه إن «الولايات المتحدة أيضاً، بحسب كل التقديرات، ما كانت لتشكو اكثر مما ينبغي لو أننا قررنا اجتياح سوريا في الأيام الأولى من الحرب».
وبرغم أن المقترح الفرنسي كان ذا صفة رئاسية، كما ذكرت «معاريف»، إلا أن المفارقة هي أنه لم يُعرض للبحث على مستوى القيادة السياسية في إسرائيل، وبقي تداوله محصوراً في «المحافل المهنية العليا في وزارة الخارجية الإسرائيلية»، وفقاً للصحيفة التي رجحت أن يكون مرد ذلك إلى حقيقة أن الحرب مع سوريا لم تكن مطروحة في إسرائيل آنذاك. وعلق مكتب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية على ما أوردته الصحيفة بالقول «لا أذكر مثل هذا التقرير».
وفي سياق متصل، تطرق السفير الإسرائيلي السابق في فرنسا، نيسيم زفيلي، عبر مداخلة مع إذاعة الجيش الإسرئيلي، إلى الخلاف بين تل أبيب وباريس في مقاربة موضوع حزب الله في لبنان، وعلاقته بكل من إيران وسوريا. وأوضح زفيلي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرييل شارون، «كان يرى أن إيران هي المسؤولة الرئيسية عن تسليح حزب الله، فيما كان شيراك يرى أن سوريا هي المسؤولة الأساسية عن ذلك، وأنها مسؤولة بشكل مباشر عن محاولة زعزعة النظام في لبنان».
وقال زفيلي إن «شيراك يرى أن السوريين مسؤولون بشكل مباشر عن اغتيال رفيق الحريري وأنهم المسؤولون المباشرون عن تسليح حزب الله وأن سوريا تصدر تعليمات لحزب الله وتوجهه».
وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قد ذكرت في 18/12/2006 أن واشنطن «توقعت وتمنت واعتقدت» أنه كان ينبغي لإسرائيل مهاجمة سوريا خلال حربها على لبنان الصيف الماضي. ونقل مراسل الصحيفة في العاصمة الأميركية، إسحق بن حورين، عن مصادر مقربة من مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية قولها إن ثمة غضب في أوساط الإدارة لعدم إقدام إسرائيل على فعل ذلك. وقالت ميراف وورمزر، الباحثة في معهد «هادسون» وأحد كبار الشخصيات النافذة في أوساط المحافظين الجدد، للصحيفة في حينه إن «الإدارة توقعت من إسرائيل أن تشن الحرب على سوريا... وتمنت أن يحصل هذا الأمر لأنه كان سيخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية».
وقالت وورمزر، التي يشغل زوجها دافيد منصب مستشار نائب الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، إن المسؤولين الأميركيين كانوا سيصفقون لإسرائيل لو هاجمت سوريا، وقد منحوها كامل الوقت خلال الحرب على أمل أن تفعل ذلك، «الأمر الذي كان من شأنه أن يغير الخريطة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وخاصة أن سوريا هي الدولة العربية القومية الأخيرة».
ورأت وورمزر أن «النتيجة في النهاية كانت أن إسرائيل لم تشن الحرب على سوريا، ودخلت في الحرب غير الصحيحة، وخسرت هذه الحرب أيضاً، بدلاً من تحقيق نصر استراتيجي يخدم أهداف إسرائيل وأهداف الولايات المتحدة في العراق».