strong>اعتصـام مفتـوح ينتشـر ليلـفّ لبـنان ومسـاعٍ سياسيّـة «بطيئـة» تقـودها مصـر والسـعودية
الحشود البشرية التي ملأت ساحتي رياض الصلح وما فتح من ساحة الشهداء والطرقات المؤدية إلى وسط بيروت، فتحت الباب أمام أصعب اختبار داخلي يعرفه لبنان منذ زمن بعيد. علماً بأن التحرك الشعبي الذي أطلقته المعارضة امس سوف يستمر حتى إسقاط الحكومة على ما يقول المنظمون الذين يستعدون ليومين حافلين يتوجان غداً الأحد بقداس كبير وسط بيروت يعكس واقع المشاركة المسيحية في المعارضة، بينما يجري العمل على إقامة المزيد من الخيم في وسط بيروت قبل الانتقال بها إلى مناطق أخرى.
ولفت انتباه المشاركين والقوى الأمنية المهتمة بأمن المنطقة التنظيم الدقيق للتحرك، وعدم حصول أي إشكال أمني، أو تعرّض لمؤسسة عامة أو خاصة، كذلك التزام المشاركين الطرقات والمسالك المخصصة، وأيضاً في ساحتي رياض الصلح والشهداء حيث لم يحصل أي احتكاك مع القوى الأمنية.
ومع أن الكلام السياسي الذي قاله العماد ميشال عون باسم قوى المعارضة اتخذ طابعاً حوارياً وباحثاً عن حل يضمن المشاركة الكاملة، فإن رد فعل قوى السلطة جاء من خلال قراءة لافتة للحشد واعتباره أقل مما كان متوقعاً وحصره بالشيعة دون غيرهم، والسعي إلى استنفار له بعده الطائفي لحماية السرايا الحكومية بعدما وضعت خيم أمام الطريق المؤدية إليه، متوسطاً قيادات عربية ودولية بينها ملكا السعودية والأردن وقوى أخرى تدخلت لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقائد الجيش العماد ميشال سليمانوتلقى بري اتصالات من الرئيس السنيورة والنائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط والسفير السعودي عبد العزيز خوجة الذين تمنوا عليه التدخل لرفع ما سمّوه “الحصار” لأنه لا ينسجم مع الشعارات السلمية لتحرك المعارضة، وقيل إن بعض أركان الاكثرية لوّح باللجوء الى تحرك مضاد احتجاجاً على هذا الحصار. وعلى الاثر اتصل بري بقيادة الجيش وببعض أركان المعارضة واللجان المكلفة تنظيم التحرك الشعبي ورُفعت الخيم من الطرق المؤدية الى السرايا الحكومية. وكان بري قد تلقى أيضاً رسالة من الرئيس المصري حسني مبارك الذي “تمنى بذل أقصى الجهود لاحتواء الأزمة السياسية القائمة”.
وبرغم كل الكلام عن تواصل وخلافه، فإن المصادر المتابعة نفت علمها بحل قريب، وقالت إن التوسط المصري والسعودي يركز على سحب المتظاهرين من الشارع ووقف التحرك الشعبي والعودة الى طاولة الحوار مع وعد بإقناع فريق السلطة بالتنازل في ما خص تركيبة الحكومة، بينما ردت المعارضة بأنها لم تعد تنتظر حلولاً من هذا النوع وأنها تحمّل السلطة ومن يدعمها من الخارج مسؤولية ما يجري في لبنان.
عون والمخرج المتبقي
وكان عون الخطيب الوحيد لمهرجان امس، ودعا الحكومة الى الاستقالة لإفساح المجال أمام تأليف حكومة “وحدة وطنية”. وقال إن السنيورة “بأدائه أخطأ كثيراً ويجب ان يتنحى عن مركزه ويجلس مكانه سني آخر أكثر خبرة وأكثر معرفة بقضايا لبنان الوطنية”، مضيفاً: “نحن نفتش عن الانفتاح وعن أي انفراج لنصل الى وحدة وطنية يشارك في صنعها جميع اللبنانيين”. ورأى ان حالة الحكومة “غير دستورية وتشكل مخالفة قد تحيل صاحبها أمام القضاء”. وقال: “أدعو رئيس الحكومة والوزراء لأن يستقيلوا للخروج بحكومة وحدة وطنية تعالج المشاكل الشائكة”. واعتبر ان “المخرج الوحيد المتبقي هو الاستقالة”. وأوضح ان المعارضة لا تسعى الى عزل الحكومة والوزراء “للاستئثار بالسلطة والحصول على مصالح فردية أو فئوية، بل نسعى إلى تركيز الوطن على دعائمه الأساسية”.
ومن جهته جدّد النائب الحريري اتهامه الرئيس السوري بشار الأسد بـ“تعطيل المحكمة الدولية بإعطائه الأوامر الى الرئيس لحود، وقصف طاولة الحوار بعد ثلاثة أيام من انعقادها في محاولة منه لإحداث انقلاب سياسي في لبنان”، وقال إن عدد المتظاهرين “تراوح ما بين 200 و300 ألف، تذكّروا بيروت المقاومة فجأة”، وأكد أن السنيورة “لن يسقط، مهما فعلوا”، موجّهاً رسالة إلى “حزب الله” مفادها: “كفاكم دفع فواتير في دفاعكم عن قتلة الحريري”.
قباني والصبر في السرايا
وفي خطوة هي الاولى من نوعها أمّ مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الصلاة في السرايا الحكومية تضامناً مع رئيس الحكومة والوزراء معه. وألقى خطبة عن “الصبر” وشدد على ان “النصر مع الصبر وان الفرج لا بد آت بعد الشدة” ثم تحدث لاحقاً للصحافيين فأكد دعمه للحكومة التي “اكتسبت ثقة الشعب” وقال: “إن التعبير عن الرأي هو مكفول بحكم الدستور ولكن محاولة إسقاط الحكومة في الشارع فهذه دعوة الى الإفساد بين الناس”. وطلب من المعارضة “أن تتعقل وأن تلجأ إلى المؤسسات الدستورية وأن تقلع عن استخدام الشارع من اجل إسقاط الحكومة”، معتبراً ذلك “سابقة خطيرة”.
بريطانيا تستبعد حرباً أهلية
إلى ذلك وصلت الى بيروت امس آتية من الأردن، وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت بيكيت في زيارة رسمية تستغرق 24 ساعة. وأوضح مصدر في السفارة البريطانية انها ستلتقي رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة فؤاد السنيورة. كما ستتوجه بيكيت الى الجنوب لتفقد الخبراء البريطانيين في نزع الألغام الذين يعملون ضمن مؤسسة مدنية بريطانية تساهم في نزع الألغام التي خلفها الجيش الاسرائيلي الصيف الماضي.
وأوضح مصدر في السفارة أن زيارة بيكيت لبيروت “كانت مقررة منذ أسابيع، وتأتي في إطار الدعم المستمر للبنان بعد الاحداث التي شهدها في الصيف الماضي” وتمنى أن لا تعطى هذه الزيارة تفسيرات أخرى”. وهي رفضت الحديث عن إمكان وقوع حرب اهلية في لبنان، وقالت إن “الصحافة تستسهل الحديث عن مثل هذا الأمر ومن الخطر التفكير فيه... وهو امر يجب عدم الحديث فيه”.